اقدم هنا فيما يلي قضية الانتماء الى الشرف قدمها بيت أولاد جنون بفاس الذين ينتمي اليهم العلامة الراحل سيدي عبدالله جنون رئيس رابطة علماء المغرب سابقا
وقد رفضت هذه الدعوى رغم وجود السماع الشافي والروايات الشفوية التي تقر بشرفهم
....................
قال الشيخ عبد الحفيظ الفهري الفاسي رحمه الله تعالى :بيت أولاد جنون بفاس , بيت ثروة ووجاهة , و قد ازدادوا شهرة بظهور العلماء فيهم , كالإمام المتبحر النظار الفقيه المحدث المفسر أبي عبد الله محمد بن المدني , فهو جوهرة عقدهم و أساس مجدهم , و كفى به شرفا و فخرا , و أصلهم فيما يظهر لي من البربر , و قد ادعى بعضهم الشرف زاعما أنهم من الكنونيين ( بالكاف المعقودة ) الإدرسيين , و ليس بشيء , و قد أنكر ذلك العلماء و العرفاء بهذا الشأن منذ قيل ذلك .
و رفعت القضية أخيرا إلى السلطان مولاي عبد الحفيظ و ذلك في شوال سنة 1326 هـ , فأمر قضاة فاس إذ ذاك و هم السادات : أبو عبد الله محمد بن رشيد العراقي , وأبو محمد عبد السلام الهواري , و أبو عبد الله محمد التهامي الحداد المكناسي , بالنظر في مدعاهم و البحث في حججهم , فبعدما تصفحوها هم و جماعة من العلماء , و جدوا مرجعها إلى أمرين :
-السماع الفاشي
-و الإقرار من الكنونيين الشرفاء .
فكتبوا إلى الجناب السلطاني:
بأن الأول لايتم ؛ لكون السماع الفاشي ليس بمستفيض , و هو لايفيد كما في المفيد .
وأما الاقرار هنا شهادة ؛ فيشترط فيه شروطها و قد عدمت .
فأمضاه و صدر الأمر بكفهم عن الانتساب للجناب النبوي الشريف .
ومما يذكر من مناقب ( الفقيه الأصولي محمد جنون و هو من هذا البيت ) أنه لما ادعى أبناء عمه ما ذكر من الانتساب لآل البيت أنكر فعلهم و تبرأ منهم ؛ حيث صح عنده خلاف ما زعموا و فجزاه الله خيرا , حيث لم يعرض نفسه للدخول في الوعيد الوارد في ذلك .
ما ذكرته في ترجمة المذكور من الكلام على نسب أولاد جنون و أنهم ليسوا من الأشراف و قال إنني تجازفت في ذلك و أغفلت ما بيدهم من الرسوم القديمة و هو اعتراض لا سبب له إلا عدم الإنصاف و عدم تأييد الحق و ليس ذلك من شأن أهل العلم , و الحال إنني ما تجازفت بل تكلمت بالعلم و أوردت الحجة الصحيحة حسبما يعترف بذلك من يقف عليه من أهل العلم الذين لا غرض لهم , أما الرسوم التي ذكر أنه بيدهم فهي الحجج التي ذكرت ثمة أن قضاة فاس تصفحوها عن الأمر الشريف و أبطلوها بما هو مبين في كلامي , و إن عنى المعترض أن الرسوم التي ذكرت ليست هي التي أبطل قضاة فاس بل غيرها فلا تكون حينئذ قديمة , لأنه لو كانت بيدهم رسوم قديمة تشهد بهم الشرف لأدلو بها حين أعذر لهم نقيب الأشراف السيد عبد الله البدراوي عام 14 و أجلهم ليأتوا بما ينفعهم في دعواهم , و لما أشهدوا على أنفسهم أنه لا حجة عندهم و لأدلوا بها ثانيا حين صدر أمر السلطان مولاي عبد الحفيظ لقضاة فاس بتصفح حججهم , فدل عدم إدلائهم بها أنها ليس قديمة و إنما اختلقوها الآن أو لا وجود لها أصلا , و إنما تجازف المعترض فذكر ذلك بدون مستند , و الغالب على الظن أنه اعتمد على قول البعض منهم , فذكر ذلك لأن أهل العلم لا يكذبون ولو في نسبهم فأحرى في نسب غيرهم , قال تعالى : ( إنما يخشى الله من عباده العلماء ) و لا بأس في ذكر ما راج في قضية أولاد جنون منذ افتروا على الله تعالى بالانتساب للجانب النبوي إلى الآن , ليعرف القراء الحقيقة , و لا يغتروا بكل من تكلم بدون حجة , فنقول : المعروف المتواتر عند أهل فاس قديما و حديثا أن أولاد جنون ليسوا من الأشراف بل من العوام البلديين بفاس و لا دار لهم سواها و لا قبيلة يرجعون إليها , و أول من ادعى ذلك منهم هم إخوة الشيخ أبي عبد الله محمد بن المدني جنون الفقيه صاحب الاختصار و قرابته في حياته , إلا أن ذلك كان بينهم سرا إذ هو عصر التأسيس عندهم و لا محالة إنه كان موافقا لهم على ذلك , إذ لا يمكن أن يتجرأ أخواه و هما ملازمين له على التظاهر بذلك بدون موافقته و رضاه , و أشهد من شهد له من العامة بشرفهم , و ما أقر من أقر من الشرفاء الكنونيين أهل الجبل بأنهم من أبناء عمهم إلا تزلفا إليه و إرضاء له و عملا بإشارته , و إنما منعه من إظهار الموافقة خوفا على منصبه و مركزه الذي كان حصل عليه عند العامة و طلبة العلم باجتهاده في العلم و تقشفه و إنكاره للبدع و اعتراضه على الولاة و سبهم في المجالس العلمية , و التباعد و الانقباض عنهم و الوزقيعة في علماء عصره , الذي أوقعه في كل ذلك طبعه السوداوي و حدته المفرطة , و لو ادعى ذلك بنفسه لجعل لخصمائه من أهل العلم و السياسة طريقا للانتقام منه و لسقط من عين العامة فضلا عن الخاصة , و ما يدلك على أنه إنما ترك ذلك خوفا ؛ أنه لما سجن في واقعته الشهيرة على يد الرئيس عامل فاس انبسط للولاة و أكل من حلوهم و مرهم , و ذهبت تلك الحدة و انقطع ذلك اللسان المر و تبدلت الأرض غير الأرض و السماوات , و لما توفي ألف في مناقبه الحاج ابن الطيب المشرفي التلمساني تأليف أو نسب إليه برضاه كما حدثنا الثقة عنه بذلك , فعقد في التأليف المذكور بابا لنسبه و ضمنه الرسوم التي صاروا يحتجون بها على دعوى الشرف و لما ظهر التأليف المذكور و عزموا على طبعه أنكر ذلك العرفاء من أهل فاس و تولى زعامة ذلك العلامة النسابة أبو العلاء إدريس الفضيلي العلوي صاحب الدرر البهية الشهير و العدلان الموثقان العارفان بالأحساب و الأنساب : أبو العلاء إدريس بن الطائع القادري و أبو محمد عبد الكبير بن هاشم الكتاني , وقامت ضجة بين أهل العلم إنكارا لذلك حرصا على النسبة النبوية أن تمتهن , كما قام بقية أبناء عمهم خصوصا العلامة الأشهر أبو عبد الله محمد فتحا بن عبد السلام و فريق أهل الصاغة , و تبرأوا من فعلهم , و أنهم لاحظ لهم في الشرف , و قد بقي أبو عبد الله محمد فتحا يتبرأ من ذلك إلى أن لقي ربه , و لما وقع ما ذكر أحضرهم نقيب الأشراف السيد أبو سالم عبد الله البدراوي , و كلفهم بالإدلاء بما يفيدهم شرعا فيما يدعون فالتزموا و أشهدوا أنهم إذا لم يأتوا بما كلفوا به في الأجل الذي عين لهم ؛ هم راجعون عن دعواهم و متبرئون منها و لاحظ لهم فيها , و انتهى الأجل و لم يأتوا بشيء , بل أشهدوا على أنفسهم بالرجوع , و قد وقفت على رسم المرافعة و الأجل عند نقيب الأشراف اليوم السيد أبو الجمال محمد الطيب البدراوي حفظه الله تعالى و نصه حرفيا : ( الحمد لله حضر لدي شهيديه أمنهما الله السيد سليمان بن السيد أبو بكر جنون و السيد الحاج محمد المفضل النسب , و السيد عبد الرحمن بن السيد المدني النسب , و السيد محمد بن علي النسب , و بعد ادعائهم النسب الشريف بمحضر الشريف الماجد الأصيل الفقيه العلامة الحجة النقيب مولاي عبد الله بن الشريف المنيف الفاضل الفقيه العلامة الأستاذ خاتم المحققين الولي الأشهر مولاي إدريس بن عبد الله الودغيري الإدريسي الشهير بالبدراوي الحسني و نازعهم في ذلك النقيب المذكور لعدم حجة تقبل منهم شرعا فيما ادعوا , و ساعدهم على ذلك ,و اشهدوا حينئذ أنهم التزموا بإحضار ما يقبل منهم لأجل المذكور لدى النقيب المذكور , فإن أحضروا ذلك لديه و قبل منهم فالعمل عليه , و إلا فلا يدعون بعد ذلك نسبة حسنية أو حسينية التزاما لازما لهم عرفوا قدره , شهد بهم عليه بأكمله و عرفهم و تدلية النقيب في ثالث و عشرين محرم الحرام فاتح عام أربعة عشر و ثلاثمائة و ألف , محمد بن عبد الواحد بن المواز لطف الله به و محمد الطالب بن عثمان بن سودة لطف الله به , ثم بعد انتهاء الأجل رجعوا عما ادعوا و تبرؤوا حسبما برسم عدلي و قفت عليه عند السيد أبي محمد عبد الكبير بن هاشم الكتاني المذكور و مضمنه إشهاد الطالب سليمان المذكور بالرسم أعلاه ومن ادعى معه الانتساب للشرف من أبناء عمه برجوعهم عما انتحلوه و اعترافهم أنهم إنما أكرههم على ادعاء ذلك بعض أبناء عمهم ( يعنون إخوة الفقيه جنون ) و أنهم لاحظ لهم في الشرف , ووقفت عنده على شهادة أخرى على أولاد جنون سكان الصاغة و هم الذين كانوا لم يشاركوهم في مدعاهم بأنهم اعترفوا أنهم لاحظ لهم في النسبة النبوية و أنهم لم يدعوا ذلك و لا سمعوه من آبائهم و أنهم برآء ممن ينتحلون ذلك , ووقفت على رسم آخر عنده أيضا بشكل أربعة عشر عدلا من عدول فاس المبرزين و معه بينة لفيفية من أعيان قبائله الشهيرة مضمنها بأن أولاد جنون هم من جملة العوام و لم يعرفوا بغير ذلك , و أنهم لم يتجرؤوا قبل على الانتساب للجناب النبوي و لا نسبوا إليه , ولم يساموا سمة الشرف و لا عرفوا به إلى أن قام منهم إذ ذاك من ادعى ذلك و أراد الانخراط فيه .
و تاريخ الرسوم الثلاثة مثل تاريخ رسم الإشهاد عند النقيب عام 14, و لما وقع الإشهاد عليهم بما ذكر صدر الأمر بمنعهم من طبع التأليف المذكور فحجز تحت يد السيد أبي العلاء الفضيلي و من عنده رأيناه , و لما اطلع عليه إذ ذاك ابن عمنا العلامة الحافظ أبو مالك عبد الواحد بن عبد السلام الفاسي ألف تأليفا في إبطال تلك الحجج و تزييفها و بين حقيقة نسبهم بما يعلم بالوقوف عليه , كما أن السيد أبو العلاء الفضيلي تعرض في كتابه لنسبهم و عرض بادعائهم النسبة النبوية كذبا عند الجنونيين الأشراف و هو الحامل له الحقيقي على ذكر ترجمة أبي عبد الله محمد بن المدني آخر كتابه المذكور , و من جملة المقرظين لهذا التأليف و الموافقين عليه أبو عبد الله محمد التهامي بن المدني الشهير و الحال أنه هو القائم بهذه الدعوى و المغري على ادعائها , إلا أنهم بعد مدة عمدوا إلى التأليف الذي ألفه المشرفي و طبعوه و عادوا لترويج بضاعتهم المزيفة و لما جلس السلطان مولانا عبد الحفيظ على أريكة الملك و رفعت إليه قضيتهم كتب نائب الوزير إذ ذاك إلى نقيب الأشراف المولى الطيب و كلف قضاة فاس الثلاثة و هم : السيد أبو عبد الله محمد بن رشيد العراقي و أبو محمد عبد السلام الهواري و أبو عبد الله محمد التهامي الحداد بالنظر في مدعاهم و البحث في حججهم , و بعدما تصفحوها هم و جماعة من العلماء و جدوا مرجعها إلى أمرين : السماع الفاشي و الإقرار من الجنونيين الشرفاء , فكتبوا إلى الجانب السلطاني بأن الأول لا يتم لكون السماع الفاشي ليس بمستفيض و هو لا يفيد كما في المفيد و أن الإقرار هنا شهادة فيشترط فيه شروطها وقد عدمت , فأمضاه و صدر الأمر بكفهم عن الانتساب للجناب النبوي الشريف , أما الكتاب الوزيري فقد وقفت عليه عند النقيب المذكور و نصه : الحمد لله محبنا الأعز الأرضي النقيب مولاي الطيب البدراوي أمنك الله و سلام عليك ورحمة الله عن خير سيدنا أيده الله و بعد : فقد بلغ للعلم الشريف أن بعض أولاد جنون ادعوا النسبة الطاهرة مع أنهم بريئون منها حسبما بالشهادة الواقعة عليهم قديما بالتبري منها , و عليه فيأمرك سيدنا أعزه الله أن تكون على بال من ذلك و شبهة حتى لا يقع خرق و تتحاشى النسبة الطاهرة عن الدخول فيها من غير نسب , فلتكن على بال من ذلك و على المحبة والسلام في 22 شعبان 1326 هـ بلعباس الفاسي كان الله له .انتهى بلفظه .
فهل بعد كل ما ذكرنا يقال إنني تجازفت ؟ أليس قائل ذلك هو الذي تجازف ؟ و في النية إن شاء الله إخراج تأليف في بيان النسب الحقيقي لعدة قبائل خرجوا عن طورهم و ادعوا ما ليس لهم .
و أزيد هنالك هذه المسألة إيضاحا غيرة على الجناب النبوي أن يدنس بالدخلاء و الأدعياء , فإنه لا غرض لنا في ما سوى ذلك و لا يحسن السكوت على ذلك لأن آل البيت تتعلق بهم أحكام شرعية و لهم حقوق على الأمة , قال تعالى : ( قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى ) فيجب أن يصانوا و يدفع عنهم الدخيل لتبقى أنسابهم محفوظة و ليعاملوا بما يستحقون من الإجلال و التعظيم لقرابتهم من رسول الله صلى الله عليه وسلم . المدهش المطرب 1/ 44
المصدر :
http://anssab.blogspot.com/2012/05/blog-post_6819.html