قال :{ لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَياةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ } فلما قال ربنا في( الحياة الدنيا وفي الآخرة) فهمنا أن البشارة كم قسم؟
قسمان
لأن الله ذكر زمانين فلما ذكر الرب زمانين كان لابد أن تكون البشرى كم بشارة؟
بشارتين
هذه البشرى تكلم العلماء فيها كثيراً
والأصل الذي نرى أنه لا يحسن ولا يجمل قصرها على شيء واحد لا يحسن قصرها يعني حصرها في شيء واحد وإنما تبقى مفتوحة تبقى البشرى في الحياة الدنيا مفتوحة إلا أنه من أعظم البشرى الرؤيا الصالحة
لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال كما في البخاري وهو لا ينطق عن الهوى قال(لم يبقى من النبوة إلا المبشرات قالوا يا رسول الله وما المبشرات؟ قال الرؤيا الصالحة يراها المؤمن ـ كما في الزيادة ـ أو ترى له) هذا معنى قوله عليه الصلاة والسلام : لم يبقى من النبوة إلا المبشرات الرؤيا الصالحة). فالرؤيا نوع من البشارة
فقد يخرج الإنسان من موطن من مكان من عمل كئيبا حزينا على شيء أصابه ويكون له عند الله مقام أو عمل صالح فيراه أحد فيخبره أنه رأى له رؤيا يكون في هذه الرؤيا بشارة لنجاته أو يكون هو قد غفا أو نام في ليل أوفي نهار فيرى رؤيا تدل على أمر حسن
وقد قلنا مرارا أن يعقوب عليه الصلاة والسلام لما قال له بنوه وأخبروه أن يوسف هلك كان واثقا أن يوسف لم يهلك فقال كما قال الله جل وعلا عنه{قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنفُسُكُمْ أَمْراً فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ}الذي جعل يعقوب يطمئن على أن يوسف لم يهلك هي الرؤيا التي رآها يوسف من قبل فلما قصها على أبيه فهم يعقوب أن هذا الابن سيكون له شأن {إِذْ قَالَ يُوسُفُ لِأَبِيهِ يَا أَبتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَباً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ} وهذا يظهر بعلوه وعلو مكانه
لأن خضوع الأب والأم والأبناء له يدل على ارتفاع قدره
فلما جاءه الإخوة وقالوا إنه هلك لم يقبل يعقوب هذه الدعوة لكن ضعفه آنذاك اجتماعيا هو الذي جعله أن يصبر ويحتسب عند الله وقد تحقق له الأمر ولذلك
قال:كما قال الله جل وعلا عنه:
{ قَالَ أَلَمْ أَقُل لَّكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ مِنَ اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ}.
ـ من البشارة كلمة إنسان يسمعها من غير أن يبيت حسبان لها
يعني من غير أن يبيت أن يسمعها فيلقاها في طريقه أو حدث يراه بعينه هذه أمور دقيقه لا يمكن شرحها
لكن تراها في حياتك العامة النبي عليه الصلاة والسلام أقبل على خيبر
وقلنا هذا مراراً فلما صلى الفجر قريبا من خيبر ونظر إلى خيبر وكانت اليهود محمية لهم خيبر ويخشى على المدينة منهم
رأى أهل خيبر بيدهم المساحي
وهي أداة هدم فلما رآها استبشر صلى الله عليه وسلم هذا من البشرى ففرح وقال (الله أكبر خربت خيبر) لأنه رأى في أيديهم ما هو أداة ماذا؟ أداة هدم
وهو جاء ليهدم خيبر فتحققت تلك البشرى لما رآهم قال الله أكبر خربت خيبر) فخربت خيبر كما قال عليه الصلاة والسلام
وقيل:"إنه لما قدم عليه الصلاة والسلام إلى المدينة رأى قوما لا يعرفهم ومعه أبو بكر وهو هارب من مكة خارج من قومه يريد الأمان في المدينة فقابل رجلا قال له من أنت قال: بريده فاستبشر صلى الله عليه وسلم والتفت إلى أبي بكر وقال برد أمرنا ثم قال ابن من؟ قال ابن أسلم قال: أبشر يا أبا بكر سلمنا أخذها من الاسم فهذا نوع من البشارة يحسن للإنسان وهو غاد أو راح ولما اقبل سهيل بن عمرو في معركة الحديبية والنبي عليه الصلاة والسلام يعرف سهيلا من قبل
وهو قادم للصلح وكان النزاع قد اشتد ودعا النبي عليه الصلاة والسلام إلى بيعة الرضوان تحت الشجرة لما أشيع أن عثمان قد قتل فلما رأى النبي عليه الصلاة والسلام أن قريشا بعثت سهيلا قال:"أبشروا لأصحابه سهل أمركم أخذها من ماذا؟ من اسم سهيل فهذا نوع من البشرى الذي يعطاه المؤمن في الحياة الدنيا هذه أمور قلت لا يمكن حصرها في شيء معين لكنها أمور عديدة تحصل للمؤمن وعده الله جل وعلا لهم بها بنص القرآن قال سبحانه:
{ لَهُمُ هُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَياةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ }
في الآخرة:أن الإنسان (المؤمن) لا يموت حتى يرى مقعده من الجنة وكذلك يبشر في القبر يأتيه عمله الصالح في صورة شاب حسن الوجه فيقول له من أنت؟
فيقول أنا عملك الصالح هذه كلها من المبشرات حتى يدخل المؤمن الجنة فيجد الراحة التامة الكبرى التي وعدها الله جل وعلا عباده أدخلنا الله وإياكم الجنة
{لَهُمُ هُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَياةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ }
وحتى لا ترتاب القلوب
قال الله بعدها
{لاَ تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللّهِ }
هذه أوامر الله وقضاؤه وقدره ولا يمكن لأحد أن يغيرها ولا أن يبدلها ولا أن يجري في الكون أمرا لم يكتب الله منذ الأزل أن يقع
{لاَ تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ }
من تمسك بالإيمان والعمل الصالح واجتهد في أن يقترب من الله واجتهد في أن يبتعد عن السيئات وصاحب عمله الاستغفار والخوف من الله والطمع في رحمته
ووصل إلى الجنة هذا هو إجمالا بلا شك
{ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ }
المصدر
تأملات في سورة يونس