قال الشعراني : كنت مرة جالسا عند سيدي علي الخواص رحمه الله و هو يضفر الخوص فمر بنا شخص من المتعبدين القوامين الليل الصائمين النهار و النور يخفق على وجهه فقلت له : يا سيدي انظر إلى هذا النور العظيم الذي على وجه هذا الرجل فرفع الشيخ رأسه فقال : اللهم اكفنا السوء بما شئت و كيف شئت إنك على ما تشاء قدير . فقلت له : لماذا ؟ فقال : يا ولدي إذا أراد الله بعبد خيرا جعل نوره في قلبه ليعرف ما يأتي و ما يذر من الحسن و القبيح و جعل وجهه كآحاد الناس ، و إذا أراد الله بعبد سوءا نقل النور الذي في قلبه على وجهه و أخلى باطنه من النور ، و جعله مظلما ليقع في كل فاحشة و في كل رذيلة ، و يقول له الناس مع ذلك : شيء لله المدد يا سيدي الشيخ ، لما يرونه من النور الذي على وجهه مع أن قلبه خراب مظلم ، فقلت له : يا سيدي أَمَا يجمع الله تعالى لأحد بين النورين ؟ فقال : يمكن و لكن قد أمرنا الله تعالى بالستر لأعمالنا في هذه الدار فلا يظهر لنا كمال إلا في محل يقتدى بنا فيه ، فقلت له : حصول النور على وجه العبد لا يجيء بالتفعل فقال : صحيح ، و لكن لا يظهر عليه شيء قط إلا مع ميل سبق منه ، و لولا ميله ما ظهر ، فقلت له : فيحتاج الإنسان إلى ميزان دقيق ، فقال : نعم و هو كذلك ، فربما ظهر كمال العبد بميل خفي لا يشعر به فليفتش العبد نفسه ، انتهى .