هاجر مولاي عثمان بن سليمان حفيد مولاي علي بن عمرو كما سبقت الإشارات من منطقة تالسينت خلال القرن 14 ميلادية واستقر على واد سرغينة .ولقد تضاربت الروايات حول أسباب هذه الهجرة،فهناك من يربطها بالظروف الطبيعية كالجفاف ،وهناك من يرجعها إلى سوء العلاقة التي كانت تجمع أبناء مولاي علي بن عمرو بعضهم ببعض ،مما أدى إلى الاقتتال بينهم والتشتت في المناطق المجاورة .خلف مولاي عثمان ابنا واحدا هو يوسف وهذا الأخير خلف أربعة أولاد.من بينهم عبد الله.ومن ذرية هذا الأخير الولي الصالح سيدي علي أويحيى.
لقد عرفت ذرية يوسف أوعثمان نحو المناطق الغربية والشمالية .وخلال هذه الهجرة انتقل سيدي يحيى بن عبد الله من المنطقة قاصدا مدينة فاس ،ثم انقطعت أخباره إذ لا أحد يعلم إن كان قد استقر بها أم هاجرها إلى الشرق كما يدعي البعض،وأصحاب هذا الرأي الأخير يزعمون أن قبره يوجد بشرق المغرب .
ومهما يكن فسيدي يحيى توفي،وعاد ابنه سيدي علي خارجا من مدينة فاس .وقبل وصوله مر بأراضي أبناء عمومته،آيت علي أويوسف فنزل بموقع يقال له" سهب العيا" فسأل عن إسم الموضع فأخبروه باسمه فقال عنه "إنما هو سهب الخلا" واتبع سيدي علي طريقه إلى أن وصل "تلات نسال" التي قال عنها "هرب لا تسال" ثم رحل وبرفقته رجال من آيت علي أويوسف إلى عائلته ،وبعد رحلة طويلة استقر بمنطقة تابوجبرت ،التي قال عنها "هنا تجبر ولادي"،وبالفعل فذريته هي التي تقطن حاليا بهذه المنطقة ،إلى أن اسكورن رفضوا بقائه بالمنطقة وقرروا طرده،إذ يعتبرونه مجرد قاطع طريق .
وفي الوقت الذي كان فيه سيدي علي ،يحيي سنة سيدنا إبراهيم لنحر أضحية العيد ،فوجئ بهجوم اسكورن عليه ،وفر مسرعا حاملا أضحيته على الفرس متجها نحو منخفض سكورة ،وبعد توقف لمدة دقائق تبين ان أهل سكورة لا زالوا يلاحقونه عازمين كل العزم على إخراجه من أراضيهم ،وهكذا ظلوا يطاردونه إلى أن عبر جبل تيشوكت في اتجاه الجنوب فدعا لهم بالدعاء المأثور عند العامة :"اللهم أنزل عليهم-اسكورن-أزقور نايت داوود ما يهز ما ينز" وهكذا ظل اسكورن مستهدفين من طرف آيت داوود أوعلي الأقوى منهم.
وخلال هذه المطاردة توقف سيدي السبع مرات قبل الوصول إلى منطقة سيدي حساين بتيشوكت والتي قال عنها " إنها كالبغلة الزرقاء ،رزقها قريب وشرها بعيد،عليها اغرس أولادي".استقر سيدي علي بسيدي حساين وخلال مقامه نزلت عليه المنزولة التي تسمى بزاوية 18 ظامن،وهي عبارة عن خيمة متنقلة ،واجتمع الناس من حوله بل وفاقت شهرته جبال تيشوكت ،وجاءته القبائل من بعيد مثل قبائل آيت النظير من ناحية الحاجب.
ثم انتقل سيدي علي إلى منخفض المرس .وقد خلف سيدي علي خمسة أولاد :يوسف ،يحيى ،محند ،أحمد ومحند ويقال توأمان نوذرية هذا الأخير تعرف بآيت محند فيما تسمى الذرية الباقية بادراسن.
وخلال القرنين 18 و19 عرفت ذرية سيدي علي نزوحا نحو المناطق المجاورة .جنوبا وغربا حيث وصل نفوذ آيت سغروشن سيدي علي إلى كيكو غربا والقصابي جنوبا ،إلا أنه خلال فترة الحماية وبالضبط سنة 1937م تم تحديد منطقة نفوذ آيت سغروشن من طرف سلطات الاستعمار في الطريق الرابطة بين بولمان والمرس غربا ونهر واد سرغينة جنوبا.
وتجدر الإشارة إلى أن المنطقة عرفت تعاقب عدة قبائل ففي الشمال قبائل بني حسين وبني عباد ثم آيت داوود أوعلي وهم فرع من آي تيوسي وأهل سكورة الذين استقروا بمنطقة سكورة منذ 781هجرية.وجنوب المنطقة آيت رحو وهم فرع من آي تيوسي وآيت بلقاسم (قصو) المعروفين باجحرون ،وأخيرا قبيلة آيت سغروشن سيدي علي حوالي القرن 15 م .
دعاة الأمازيغية هم حراس اللغة العربية ودعاة العروبة لا يحسنون العربية
* حينما يبادر كاتب «ذو باع طويل» وباحث مشهود له بسعة المعرفة بالإدلاء بدلوه في قضايا مصيرية مرتبطة بهويتنا الثقافية ومكوناتها فإن ذلك مما يهتم به ويحتفى... ذلك شأن بنسالم حميش في مقاله المعنون بـ«المكون البربري ولهجاته وشخصية المغرب القاعدية» والمنشور بصحيفة «الشرق الأوسط» في 27 أكتوبر (تشرين الاول) 2003 الماضي. وقد وظف الكاتب الباحث حمولة معرفية متنوعة واستشهادات غنية لينتهي لخلاصات كانت هي القاسم المشترك لمن يتوجسون حسيفة للأمازيغية: وهي أنها مجموعة لهجات لا ناظم بينها تختلف قاموسا وتركيبا، ثم ما بال حملتها يصرون على استعمال كلمة امازيغية وأمازيغ عوضا لمصطلح نشأ وذاع هو البربر والبربرية؟ واخيرا ما الحاجة الى تنوع يترصدنا بالفتنة ويتهددنا بالانقسام وقد يذهب بنا طرائق قددا لا ناظم لها ولا لحام. وظف الكاتب الباحث معرفته الغريزة ليزيح التنوع القائم ويشكك في جدواه فضلا عن تدبيره وترشيده.
ويعلم الاديب البحاثة، ان العلم ليس بريء وهو العارف بأدبيات الراحل إدوار سعيد، ويمكن ان نحمل «المعرفة» و«العلوم» ما شئنا من الافكار الجاهزة والتصورات القائمة والبناءات الآيديولوجية. يمكن ان نحجب ذواتنا تحت هالة من الموضوعية الصورية. وقديما قال الشاعر العربي:
وعين الرضى عن كل عيب كليلة ولكن عين السخط تبدي المساويا
وملاحظتي تبدأ من حيث بدأ، ومن الشبح الذي رفعه من الانقسام والتشتت، وهو محق في ان يغار على ما يجمعنا ويدحض عنا ما يتهددنا، بل هو واجب كل مثقف ان يحدج الآفاق ويغوص في الاعماق ليلتمس لذويه هدى وهداية. وهو دور المثقف بامتياز ان يكون منارا يهدي، وان يبصر حيث لا يرى الآخرون أو يكتفون بالمشاهدة. ولكن هل الامازيغية ومتكلموها خطر على وحدة البلاد، ولِمَ لَم تكن كذلك وقد كانت نسبة الناطقين بها أكبر فيما سلف؟!
أوليس فيما يدعو له الدكتور الاديب بحثا لمشروع خبا هو محو التعدد؟ آمن رجال من الرعيل الاول من الوطنيين، عن صدق في غالب الاحيان، وقد كانوا قريبي العهد بمؤامرات المستعمر وألاعيبه، انه ينبغي تحصين الدولة الفتية بلغة وطنية وحيدة. وقد تبدى على محك التجربة ان الامازيغية لم تندثر ـ رغم التعتيم والتهميش ـ وان بنيها غير مستعدين ليروها تلفظ انفاسها، وانهم عملوا ويعملون على إحيائها. تبدى على محك التجربة ان «متزوجي» العروبة كانوا يتخذون الفرنسية خليلة، وانهم وهو الادهى فصلوا العروبة عن الاسلام في ارض لا تفرق بينهما. وتبدى على محك الواقع ان كثيرا من دعاة العروبة لا يحسنون العربية، ويكتبون حين يكتبون لغة متعتعة سمجة لا مذاق ولا طعم لها. وتبدى بالمقابل ان دعاة الامازيغية هم حراس اللغة العربية، حين ينافحون ويساجلون وحين يبدعون.
والعرق، واللغة هو المستوى الادنى ان لم يكن الدنى لكن الدني لكل انتماء. لم يكن العرق ولا اللغة اللحام الذي يربط بين الشعوب. ما يربطهم هو قيم مشتركة بغض النظر عن العرق او اللغة. بل لا يمنع العرق الواحد ولا اللغة الواحدة ببني الجلدة واللسان من التطاحن. وأنا شخصيا أرى من شأن الاعتراف بالاختلاف وحسن تدبيره ضمانة لتمتين عرانا، وان القفز على اختلافنا قد يسفر عما لا تحمد عقباه، وبخاصة في عالم مفتوح، انتفت فيه كل الحواجز وانزاحت. ما لا أفعل انا سيفعله الآخر، وفق تصوره وتوجهاته. وليت كثيرا من اصحاب الفكر عندنا يغادرون أبراجهم ويضربون في الارض ليسمعوا وينظروا حقيقة الامازيغية وحقيقة الامازيغيين في الريف وفي الاطلس وفي سوس وفي الواحات. ليقفوا على هذا «الخطر» الثوي الذي يحذرنا منه مثقفون «ملتزمون».
أما حديث اللهجات فالذين يثيرونه يفعلون عن جهل، وحبذا لو انهم جشموا انفسهم عناء تعلم الامازيغية، عوض ان يصدروا عن افكار عامة. فلو ارادوا الدقة لجاز ان نميز بداخل المجال اللهجي ذاته. فهناك فروقات واضحة في النطق ما بين كلام قبيلة «كلاعة» بالناضور (شمال المغرب)، وقبيلة «آيت ورياغل» بالحسيمة (شمال المغرب)، رغم انهما يدخلان في مجال «تاريفيت». وهناك اختلافات ما بين «تاشلحيت» بمنطقة «حاحة» (على الساحل الاطلسي) و«تاشلحيت» بمنطقة تزنيت و«تاشلحيت» بمنطقة تافراوت وكلاهما توجدان بالجنوب المغربي. ولهجة «دمنات» (في جبال الاطلس) هي عوان بين «تاشلحين» و«تامزيغت». ولهجة قبائل «آيت سغروشن» هي مزيج من «تاريفيت» و«تامزيغت». وهناك مناطق امازيغية تتخللها بؤر عربية كبني حذيفة وبني الخطاب في الريف، ونفس الشيء في سوس حيث يتكلم اولاد تايمة وأولاد جرار العربية، وكذلك الامر بتافيلالت حيث يتكلم ساكنة مدغرة وعرب الصباح العربية، وسط غالبية امازيغية، والعكس صحيح، حيث نجد مناطق عربية كأولاد حرار تتخللها بؤر امازيغية كما هو الامر بواحة فكيك. هذا التداخل لم ينف التعايش والتداخل، ولم ينتظر تعريف Erest Renan الذي نعرف أي منزل ينزل العرب والمسلمين، لكي يتعايش ويتمازج. هناك اختلافات كتلك التي كانت في جزيرة العرب بين عدنان وقحطان، بل بين طي وهذيل وقريش. هناك اختلافات كتلك التي توحد بين شامي ويمني ويستعصي على غير المتعلمين منهما ان يتفاهما. هناك اختلافات بين حلبي ودمشقي. لكن السدى واحد. وكذلك الامر بالنسبة للامازيغية. ويمكن ان نعطي امثلة حية من شباب يتكلمون لغة فصيحة. بل زارني قبل شهور فتى ليبي مقيم بالولايات المتحدة يتكلم سهوا ورهوا لغة امازيغية وسطى لم أجد أي عنت لفهمها. بل هناك انزياح تدريجي لفائدة لغة وسطى يستعملها المتعلمون ولا تنغلق على غيرهم. وكذلك كان شأن اللغة العربية، حينما احتوت لهجة قريش اللهجات الاخرى رويدا رويدا، وكذلك الشأن بالنسبة للغة الفرنسية اذ اغتنى لسان «جزيرة فرنسا» باللهجات الاخرى.
وليس من شك انه في سياق تبني الدولة للبعد الامازيغي وإقرارها بالثقافة الامازيغية وبالارتقاء بهما يتوجب التفكير مليا في تدبير العلاقة بين «اللهجات» وبين اللغة الفصحى، في أفق تذويب الاختلافات مع الزمن.
فاللهجات آيلة الى الاندثار كما حدث لدى مجتمعات اخرى، لفائدة لغة موحدة.
هذا واقع لا يرتفع رغم الارتجال والتسرع الذي يطبع تنفيذ خيارات تم إقرارها.