لَهُم شيخُ سوءٍ مِن بَني القِبطِ أصلهُ = بِسحنتهِ الشوهاءِ نسبتهُ تُقرا
عَلى قَلبهِ سادَ الهَوى فهو عبدهُ = وَقَد سكَنَ الشيطانُ مِن رأسهِ وَكرا
أَبو مرّةٍ في مصرَ أحرزَ إِمرةً = فَصيّر عيشَ المسلمينَ بِها مرّا
أَبو جهل هَذا العصرِ قَد صارَ مُفتياً = بِمصرَ فأحيا الجاهليّة في مِصرا
كَنمرودَ لكن لا سلامَ لنارهِ = وَفي بحرهِ فِرعونُ لا يحسنُ العَبرا
بهِ بلَغَ الشيطانُ في الدين قصدهُ = وَقَطّبَ وَجهَ الحقِّ والباطلُ اِفترّا
جَريءٌ عَلى الفَتوى بحقٍّ وباطلٍ = بِحُكمِ الهَوى والجهلِ ما شاءُه أجرى
وَليسَ بِعلمِ الفقهِ يلحقُ مُحضراً = وَإِن راحَ يَعدو خلفهُ أبداً حَضرا
وَمَع جهلهِ في دينِنا وعلومهِ = يَرى نفسَهُ أَعلى أئمّتهِ قَدرا
فُنونُ جُنونِ الجاهلينَ كثيرةٌ = وَأَقبَحُها قردٌ يَرى نفسهُ بَدرا
رَوى عَن جمالِ الدينِ أقبحَ ما روى = منَ العلمِ لَكن زادَ أضعافَهُ شرّا
رَوى عَنهُ مِن علمِ الفلاسفِ قطرةً = فَصارَ بِها مِن ضعفهِ طافحاً سُكرا
وَراحَ بِدعوى الإجتهادِ مُعربداً = يَقيءُ ضَلالاً نجّسَ البرَّ وَالبَحرا
وَضَلّلَ أهلَ العلمِ مِن كلِّ مَذهبٍ = بِكلِّ زَمانٍ باِتّباعِهمُ الغَيرا
لِسانٌ لَهُ كالثورِ لفَّ نباتهُ = وَلكنّهُ بِالجهلِ قَد غلبَ الثورا
فَلَم يُرَ ثورٌ زاحمَ الأسدَ قبلهُ = وَلا حدأةً من قبلهِ زاحَمت نَسرا
تَولّعَ بِالدُنيا وصيّرَ دينهُ = إِليها عَلى ما فيهِ مِن خفّةٍ جِسرا
يَميناً إِذا كانَت يَميناً وإن تَكُن = يَساراً سَعى يعدو إِليها منَ اليُسرى
فمِن جهةٍ يُدعى الإمامَ ويقتدي = بِأعمالِ أهلِ الكُفرِ مِن جهة أُخرى
يَذمُّ خيارَ المسلمينَ وعندما = يَرى حاجَةً للكفرِ يَستحسنُ الكُفرا
لِكَيما يقالَ الشيخُ حرٌّ ضميرهٌ = فَيبلغَ عندَ القومِ مَرتبةً كُبرى
وَما زالَ مَشهوداً على الدينِ شَرُّهُ = وَإِن زَعَم العُميانُ أنّ بهِ خَيرا
لَئِن نَفَع الإسلامَ مِن دونِ قصدهِ = فَكم هوَ عَن قصدٍ به ألحقَ الضرّا
خَبيثٌ حَكى أمَّ الخبائثِ إذ حوت = عَلى كِبَرٍ في الإثمِ مَنفعةً صغرى
مَضرّاتهُ مثلُ الجبالِ وإنّما = مَنافعهُ في الدينِ أَشبهتِ الذرّا
أَجلُّ شَياطينِ الضلالِ بعَصرهِ = وَأعظمُ أهلِ الزيغِ في مصرهِ خُسرا
تَكاملَ قبحُ الذاتِ فيهِ وَإِن يَكُن = بِنسبةِ قُبحٍ في عقيدتهِ نَزرا
تَدلُّ عَلى خافيهِ ظلمةُ وجههِ = وَأسرارُ قلبِ المَرء مِن وَجههِ تُقرا
أَتى لبلادِ الشامِ أيّامَ نفيهِ = فَأنبتَ فيها مِن ضَلالتهِ بذرا
بِها باضَ بيضاً كان إبليس حاضناً = لهُ فَسَعت أفراخهُ تتبعُ الإثرا
وَعادَ إلى مصرٍ فأحدث مذهباً = وَلوّثَ مِن أقذارهِ ذلك القُطرا
وَأيّدَ أعداءَ البلاد بسعيهِ = وَأَوهمَ أَهلَ الجهلِ أَنّ بهِم خَيرا
يُحسّنُ بينَ الناسِ قُبحَ فِعالهم = وَمَهما أَساؤوا راحَ يلتمسُ العُذرا
بِمِقدارِ ما خانَ البلادَ وما أتى = لأعدائِها نُصحاً علا عندَهُم قدرا
وَلَم يَقتَنِع منهُم بِدُنيا اِستفادها = وَلكنّهُ قَد شاركَ القومَ في الأخرى
وَأَحدثَ بينَ المُسلمينَ نَظيرهم = بُرستنتَ صاروا مثلهُم فرقةً أخرى
لَقَد قادَهم منهُ إلى رأي ملحدٍ = إِذا لَم يكُن كُفراً فقد قاربَ الكفرا
وَنالَ بِجاهِ القومِ في الناسِ رُتبةً = بِها حازَ فيمَن شاءَه النفعَ والضرّا
فَأَصلى رِجالَ العلمِ من كلِّ مذهبٍ = بِنارِ فسادٍ منهُ قَد قذَفت جَمرا
فَمِن رَهبةٍ أَو رَغبةٍ كَم سعى له = طَغامٌ من الجهّالِ أَكسبهم خُسرا
وَأَلقى لَهُم دَرساً يخالفُ حكمهُ = بِأزهرِها المعمورِ دينَ أبي الزهرا
وَقَد ضلَّ في القرآنِ مع عظم نورهِ = كَما خَبَطت عَشواءُ في الليلةِ القَمرا
فَتفسيرهُ مِن رأيهِ ليس خالياً = فَإمّا يُرى فِسقاً وإما يرى كفرا
أُحذّرُ كلَّ الناسِ من كتب دينهِ = وَبالردِّ وَالإعراضِ تَفسيره أَحرى
وَساوِسُ أَوحَتها إليهِ أبالسٌ = بِها يجِدُ المُرّاقُ إن عُذِلوا عُذرا
عَقيدتهُ في قبحِها مثلُ وجههِ = تُشاهدُ في مِرآةِ ملّتنا الغرّا
وَأَقوالهُ مثلُ السرابِ بقيعةٍ = بِظاهِرها قَد تخدعُ الجاهلَ الغِرّا
مَحاسنُ أَلفاظٍ لهُ قَد تَزخرفت = تغُرُّ اِمرءاً لا يعرف الخير والشرّا
بهِ بَرَزَت حسناء في شرّ مَنبتٍ = كَما نَبتَت في الدمنةِ البقلةُ الخضرا
يَرى لِذوي الإلحادِ فَضلاً وأينَما = رَأى ذا اِبتداعٍ راحَ يمنحُهُ شُكرا
يَرى لِفتى تيميّةٍ باِبتداعهِ = وَزلّاتهِ في الدين مَنقبةً كبرى
وَلكنّهُ لَم يتّبعه بزهدهِ = وَأقوالهِ الحسنا وخيراته الأخرى
وَيمدحُ وهّابيّةً لمسائلٍ = بِها قَد أَتوا نكراً وضلّوا بها فكرا
وَيَفعلُ أَفعالاً إِذا عُرِضَت على = أُولئكَ عدّوها بمذهبهم كفرا
يُعاشرُ نِسوانَ النَصارى ولا يرى = بِذلكَ مِن بأسٍ وإن كشفَ السِترا
وَيأكلُ منهم كلّ ما يأكلونهُ = وَيشربُها حَمراءَ إِن شاء أو صفرا
وَيُفتي بحلِّ المُسكِرات جَميعها = إِذا هيَ بالأسماءِ خالفتِ الخمرا
وَيأكلُ مَخنوقاً ويُفتي بحلّه = لِئلّا يقولوا إنّه اِرتكبَ الوِزرا
وَتحليلهُ لبسَ البرانيط والرِبا = بهِ بعضُ أهلِ العلمِ قَد ألحقَ الكُفرا
وَكَم زارَ باريزاً ولُندرةً ولم = يَزُر مكّةً يَوماً ولا طيبةَ الغرّا
وَإِن كانَ يَوماً للرِياء مُصلّياً = يُرى فاعِلاً يوماً وتارِكها شهرا
وَكَم مِن إِمامٍ كاِبن حنبل مُلحقٍ = بتارك فرضٍ مِن فرائضها كفرا
وَبالفسقِ قالَ الشافعيّ ومالكٌ = ومِن أجلِ فرضٍ أوجَبا قتلهُ زَجرا
وَمثلَهُما النعمانُ قال بفسقهِ = بِلا قتلهِ لكنّه يحبسُ الدَهرا
فَقَد عاشَ إمّا واجب الحبسِ عمرهُ = وإمّا غدا بينَ الورى دمهُ هَدرا
فَمَن قالَ كالكلبِ العقور فصادقٌ = سِوى أنّهُ في الدينِ قَد فعَل العَقرا
وَقَد كنتُ في لبنانَ يوماً صَحِبتهُ = لقربِ غروبِ الشمسِ من ضحوةٍ كبرى
وَصَلّيتُ فرضَ الظهرِ والعصر بعدهُ = لديهِ وَما صلّى هوَ الظهرَ والعصرا
وَكان صحيحَ الجسمِ لا عذر عندهُ = بَلى إنّ ضعفَ الدينِ كانَ لهُ عُذرا
وَمَع كلِّ هذا فهوَ أُستاذُ عصرهِ = فَأُفٍّ لهُ شَيخاً وأُفٍّ له عصرا
وَقبلَ غروبِ الشمسِ صاحبتُ شيخهُ = لِقربِ العشا أيّامَ جاورتُ في مِصرا
وَلَم أرهُ أدّى فريضةَ مغرب = فَقاطعتُ شيخَ السوءِ من أجلها الدهرا
رَمَى اللَّه كلّاً منهُما بِلِسانهِ = بِداءٍ فَذاقا الموتَ في قطعهِ مرّا
وَذاكَ أبو الآفاتِ كَم ذا هَجا بهِ = وَليّاً وكَم في الدينِ قَد نطقَ الهجرا
كَأُستاذهِ في الدين حازَ مساوياً = إِذا مُزِجت بالبحرِ أفسدتِ البحرا
وَزادَ عليهِ قوّةً وَضلالةً = فَولّد في الإلحادِ في عُشرِه عَشرا
وَكَم مِن تَلاميذٍ له كلُّ واحدٍ = هوَ الشيخُ إلّا أنّه نسخةٌ أخرى
قَدِ اِعتَقدوا كلَّ المَساوي محاسناً = لهُ وَرأوا تلكَ الشرورَ به خيرا
بهِ نالَهم كالسامريّة فتنةٌ = ولكِن محلّ العجلِ قَد عَبَدوا الثورا
وهنا ينقل الشيخ عن أحد الصلحاء الأشراف من بلاد الشام رؤيا منامية , وهو السيد حسن الأسطواني , أوّلها الشيخ بدجل المرئيّ وأتباعه , فيقول :
حَكى الحسنُ ابن الأسطوانيّ وهو من = بدورِ الهُدى في الشامِ أكرِم به بدرا
حَكى أنّه مِن بعدما ماتَ عبدهُ = رَأى عينهُ في النَوم مطموسةً عورا
فَأوّلتُ أنّ الشيخَ دجّال عصرهِ = وَما زالَ دجّالاً وإِن سكنَ القبرا
فَقَد ماتَ لكن أحيتِ الدجل كتبهُ = وَورّثَ كلّاً مِن تَلاميذهِ قدرا
مَراتِبُهم في إرثهِ قَد تَفاوتت = فَذو حصّةٍ صُغرى وذو حصّةٍ كبرى
وَمِن حيثُ أصل الدجلِ أكفاءُ بعضهم = فَلا واحدٌ يُبدي على واحدٍ فخرا
وَهُم كلُّهم والشيخُ أيضاً وشيخهُ = إِلى الأعورِ الدجّال نِسبتُهم تُدرى
وَلَولا حديثُ المُصطفى لأسامةٍ = يقولُ بهِ هَلّا شَققتَ لهُ الصدرا
لَما صحّتِ الدَعوى بإسلام بعضهم = لديَّ وما اِستبعدتُ عَن بَعضِهم كفرا
وَكنتُ كتبتُ الكافَ والفاءَ بعدها = على جَبَهاتِ القومِ كَي يَعرِفوا والرّا
كَما جاءَ في الدجّال يكتبُ لَفظها = فَيقرأُ مَن يَقرا ومن لم يكن يقرا
فَقَد أشبهوهُ في معانٍ كثيرةٍ = منَ الدجلِ والإلحادِ والبدع الأخرى
وَما الفرقُ إلّا أنّهم في قلوبهم = عَماهم ودجّالُ الورى عينهُ عورا
مُقدّمةٌ للجيشِ عنهُ تقدّموا = وَجندٌ لهُ من قبلهِ مهّدوا الأمرا
تَقدّمَ فيهم نائباً عنه عبدهُ = فَأغوى الّذي أَغوى وأغرى الّذي أغرى
فَويلٌ لهُ ويلٌ لمن يتّبعونهُ = وَمَن كانَ مِن أعدائِهم فله البُشرى
ثم بدأ الشيخ جولة جديدة مع رشيد رضا , لا يخطيء فيها الأهداف ولا يتجاوز الشغاف , وذكر توبيخه وكَشَفَ ضلالَه وقَبيحَه , وبيّن إعلانه النصب في الأزهر الشريف , وما لقيه من الإهانة والتعنيف , وذكر حادثة إلقاءه خطبة في الكنيسة , وبين ما بث في مناره من أفكار شيخه وشيخ شيخه , وتسفيهه للعلماء بطبعه الجاسي، ولفظه القاسي , وكم كان خاطره ينبو , وقلمه يكبو , في رده ما صح في الشريعة , مما لا ينتطح فيه عنزان ولا يختلف فيه اثنان , وذكر ركوبه أضاليل الهوى، وأباطيل المنى , بإصداره الأحكام المضللة والآراء الشاذة , فركب رأسه، وأطاع وسواسه , وأحل ما حرّم الله , وحرّم ما أحل الله :
وَأمّا رشيد ذو المنارِ فإنّهُ أَقلّهمُ عَقلاً وأكثرهم شرّا
أَتاني ببيروتٍ بشرخٍ شبابهِ = بِمُقلتهِ السودا ووجنتهِ الحمرا
لَه لحيةٌ مقصوصةٌ من جذورها = تُترجِمُ عنهُ أنّ في نفسهِ أمرا
وَكانَ وليُّ الأمرِ عنديَ جالساً = نُصوحي جزاهُ اللَّه عن نصحهِ خيرا
فَوبّخهُ مُستقبحاً ما أتى بهِ = وَأَبدى لهُ مِن سخطهِ النظرَ الشزرا
وَقد غابَ عنّي خمسَ عشرة حجّةً = وَعادَ ولَم يَزدَد شعوراً ولا شعرا
وَشاهدتُ منهُ الوجهَ أغبر مظلماً = كأنَّ عليهِ مِن ضلالتهِ سِترا
وَذلكَ مع ما فيهِ أهون أمرهِ = إِذا ما بهِ قيسَت فظائعهُ الأخرى
وَأفعالهُ تُبدي قبيحَ ضلالهِ = وَتكشفُ عَن مكنونِ إِلحادهِ السِترا
وَأطوارهُ في حُكمها قَد تَناقضت = بِحكمِ هواهُ كلّ وقتٍ ترى طورا
فَكَم ذا أرادَ النصبَ في درس جامعٍ = فَأولاهُ أربابُ التُقى الخفضَ والجرّا
وَكم قامَ يَتلو في الكنيسة خطبةً = بِها نابَ عن قسٍّ وعانقهُ جَهرا
وَكَم قامَ في وسطِ المجامعِ خاطباً = وَقد مَزج الإيمانَ بالخلطِ والكفرا
لهُ كجمالِ الدينِ نسبة كاذبٍ = بِها زادَ في طُنبوره نغمةً أخرى
وَقَد سَمِعَت أُذنايَ قول اِبن عمّه = مُجيباً بأن لا نِسبة لهمُ تُدرى
وَكيفَ يكونُ اِبن النبيِّ عدوَّهُ = فَأعظِم به زوراً وأعظم به وزرا
وَهذا منارُ السوءِ مرآة مجدهِ = وَقَد أظهرَت في موضعِ الشرفِ الشرّا
أَتى مصرَ مَطروداً وقد خانَ دينهُ = وَدولتهُ يا لهفَ قلبي على مِصرا
أَتاها وَقَد مصّ الثَرى في بلادهِ = منَ الجوعِ لا بِرّاً حواهُ ولا بُرّا
فَآواهُ في أكنافهِ الشيخ عبدهُ = وَأشبعهُ خبراً وأشبعه خسرا
وعلّمهُ مِن علمهِ شرّ صنعةٍ = بِها ربِحَ الدُنيا وقد خسر الأخرى
وَهذا منارُ السوءِ أسّسه له = وَلقّنهُ التضليلَ سطراً تلا سطرا
فَدامَ على ما أسّسَ الشيخ ثابتاً = وكَم فوقهُ قَد شادَ مِن بدَعٍ قصرا
وَلَم تخلُ منهُ نسخةٌ من ضَلالةٍ = عَلى لعنهِ تُغري الوَرى كلَّما تُقرا
وَواللَّه إنّي في المنامِ رأيتهُ = بَدا حبشيَّ اللونِ أَسودَ مُغبرّا
رَأيتُ سَوادَ اللونِ قَد عمّ وجههُ = وَعَهدي بهِ مِن قبلُ أبيضَ مُحمرّا
وَأَدركتُ في رُؤياي أنّ منارهُ = عليهِ غَدا ناراً ونالَ به الخُسرا
فَذاكَ الّذي من أجلهِ اِسودّ وجههُ = فَأصبحَ فَحماً كانَ مِن قبله جمرا
غَدا ناشِراً فيهِ ضلالات شيخهِ = كَما نَشَر الزرّاعُ في أرضهِ البَعرا
فَغذّى بِهاتيكَ النجاسات مَعشراً = بِدون عقولٍ خمّنوا بعرَها تمرا
وَلفّقه من كلِّ بدعة مارقٍ = منَ الدين لا يَدري الصوابَ ولا يُدرى
وَكَم ضلَّ رَأياً مِن سَقامةِ فهمهِ = بِأمرٍ صحيحٍ مِن شَريعتنا الغرّا
وَلَو سألَ الأشياخَ أدرك سرّه = وَلكنّه مع جهلهِ قَد حَوى كِبرا
وَمِنه حديثُ الشمسِ بعدَ غُروبها = فَتسجدُ تحتَ العرشِ تَستأذنُ السيرا
بِآخرِ شهرِ الصومِ من عام سبعةٍ = وَعشرينَ قد أَبدى المنارُ له ذِكرا
رَواهُ الإمامانِ البخاري ومسلمٌ = فَصِحّتهُ كالشمسِ قَد طَلَعت ظُهرا
وَما شكَّ في صدقِ الحديثِ وإنّما = رَأى خبَر المُختارِ ما طابقَ الخُبرا
وَصَرّح فيهِ أنّه غير واقعٍ = وَأنّ رَسولَ اللَّه لم يعرفِ الأمرا
فَهل بعدَ ذا التكذيبِ يحتاجُ كفرهُ = لإثباتهِ بينَ الوَرى حجّةً أخرى
وَفي جزءِ شَعبانٍ من العامِ نفسهِ = بِبيروت للإسلامِ قد جوّزَ الكفرا
أَباحَ لهُم أَن يعبدوا بكنيسةٍ = عِبادةَ أَهليها بمدرسةٍ كبرى
وَقلّدهُ مَن لَم يُبالوا بدينهم = لِكَيما يقولَ الناسُ إنّ لهم عذرا
وَلا عذرَ للأبناءِ عندَ بُلوغهم = وَآبائِهم مع شيخهم كَفروا طرّا
وَمَن قلّدَ الشيطانَ في أمر دينهِ = يَنالُ بهِ مِن دينهِ الخزيَ والخُسرا
فَتاويهِ في الأحكامِ طوعُ اِختيارهِ = تَصرّفَ كالملّاكِ في دينهِ حرّا
فَيحظرُ شَيئاً كان بالأمسِ واجباً = وَيوجبُ شَيئاً كانَ في أمسهِ حظرا
فَتحريمهُ تَحليله باِشتهائهِ = بأَهوائه أحكامُهُ دائماً تطرا
وَمذهبهُ لا مذهبٌ غير أنّه = يُجادلُ عَن أهوائِه الشهرَ والدَهرا
يُجادلُ أهلَ العلمِ بالجهل مملياً = عَلى فكرهِ إبليسهُ كلّ ما أجرى
وَيَبقى على ما قَد جَرى من كلامهِ = مُصرّاً ولَو أَجرى بألفاظهِ كُفرا
فَهَل بعدَ هذا الزيغِ يعتبُ مُسلمٌ = إِذا خاضَ مِن أَوصاف تَضليلهِ بَحرا