المرحلة الرابعة
التدبير لاغتيال رسول الله
لقد شاهد المشركون من جانب فشل آليات التصدي للرسول والمسلمين ومن جانب اخر شاهدوا انتشار الدعوة الاسلامية بشكل سريع بين الناس وإدبارهم عن الاصنام; لذا فكروا باجراءات جدية وخطرة اكثر من ذي قبل وقد استهدفوا في هذه المرحلة شخصية الرسول ذاتها. فقد وجد زعماء قريش حلولا ثلاثة لمشكلتهم:
الأول : نفي الرسول خارج مكة حفظاً لمصالح الكفار في مكة.
الثاني: حبسه للحيلولة دون اتصاله بالناس والمسلمين.
الثالث: قتله.
1. ان الإسلام الذي بلغنا حالياً هو نتيجة للمشاق والزحمات والشهادات والتضحيات التي تحملها الاوائل، لذلك كان علينا لزاماً ان نسعى لحفظ هذا الدين بالقول والعمل .
نتيجة شوراهم كان قرار قتل الرسول في ليلة المبيت حيث حاصر أربعون شخصاً من شجعان العرب بيت الرسول(صلى الله عليه وسلم) ليقتلوه في صباح تلك الليلة.
اطّلع الرسول(صلى الله عليه وسلم)على مؤامرتهم بوحي الهي فامر الامام علي(رضى الله عنه) ان ينام في فراشه آنذاك، وخرج بشكل معجز من بيته قاصداً يثرب (المدينة)، إلاّ أنه تحرك خلاف اتجاه وطريق المدينة لخداع المشركين، وبعد ان اطلع المشركون على تملُّص الرسول قاموا بتعقيبه وتتبع خطواته، لكنَّ الله شاء بقدرته ان يصل الرسول المدينة بسلامة ليقيم اول حكومة اسلامية زادت من قدرة المسلمين وشوكتهم.
المرحلة الخامسة
الحروب المتوالية ضد المسلمين
بعد ما نجع الكفار من النيل من شخصية الرسول(صلى الله عليه وسلم) سلكوا طريق المواجهة المسلحة، وذلك لعدم نجاح آليات الحرب النفسية التي سلكوها ضد المسلمين لردهم عن دينهم وللحد من توسع رقعة الإسلام.
إنّ الإسلام يهدد سلطة الكفار ومصالحهم; ولاجل القيام بمهمة المواجهة العسكرية هموا في البداية اعداد رجال مكة ثم رجال القبائل الاخرى لبدء سلسلة حروب عسكرية متوالية ومتواصلة كانت معركة (بدر) البداية ومعركة الاحزاب هي الذروة.
لقد استفاد كفار قريش في معركة الاحزاب من جميع ما توفر لهم من امكانيات وقوى، وكما يبدو من اسمها فان جميع قبائل العرب وطوائفهم اجتمعوا واعدوا انفسهم للنزال ضد الإسلام ولقتل الرسول ورجال المسلمين وللإغارة على اموالهم ولهدم بيوتهم، وسبي نسائهم والقضاء على الإسلام في النهاية.
تشير الآيتان 9 و 10 من سورة الاحزاب إلى هذه المرحلة من المواجهة: ( يَا أيُّها الّذِيْنَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللِهِ عَلَيْكُم إذْ جَاءَتْكُم جُنُودٌ فأرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيْحَاً وجُنُودَاً لَم تَرَوْهَا وَكَانَ اللهُ
1. الاصطلاح يطلق على الليلة التي نام فيها الامام علي(رضى الله عنه) مكان الرسول(صلى الله عليه وسلم) ليموّه على خروج الرسول من بيته.
2. بعد الاحزاب كانت معارك أخرى الا انها ليست بمستوى الاحزاب من حيث الاهمية.
إِذْ جَاؤُوكُم مِّن فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنكُمْ وَإِذْ زَاغَتْ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا
(الأحزاب10)
إنّ هذه الايات أهل للتأمل من حيث أنها تكشف عن معاناة المسلمين في صدر الإسلام.
وحسب هذه الآيات، فإنّ العَدُو حاصر المدينة مِنْ جميع الجهات، وقد بلغت اعدادات الاعداء وعدتهم إلى مستوى جعلت أبصار المؤمنين تزيغ، وقلوبهم تبلغ الحناجر; وذلك لأن المسلمين قليلون وعدتهم محدودة وأسلحتهم بسيطة ، وهذا هو السبب في نفوذ الرعب والخوف في قلوب ضعاف الايمان من المسلمين حيث كانت عبارات التزلزل والشك تدور في اذهانهم وقد يكون المسلمون جميعاً باستثناء الرسول(صلى الله عليه وسلم) وعدة قليلة من المسلمين تزلزلوا إيماناً. فان ضعيف الإيمان يتزلزل عند مواجهته لأزمة شديدة، عكس قوي الايمان حيث يقوى ايمانه ويزداد ثباته عند مواجهة الأزمات والمشاكل.
إنّ معركة الاحزاب كانت ساحة للإختبار لتمييز المؤمنين الحقيقيين عن غيرهم من ضعاف الايمان والمترددين في إيمانهم. إنّ نهاية هذه المعركة كان لصالح المسلمين ولم تحصل مواجهة واراقة دماء الا في مورد واحد، حيث قتل الإمام علي (رضى الله عنه) عمرو بن ود.
عسكر الاعداء ابتلي باعصار شديد، ولشدته كانت تقلع خيامهم من اماكنها وتقلب قدور الطعام، كما سادهم خوف واضطراب وخيبة امل اجبرت أبا سفيان وغيره من زعماء الكفر على الرجوع كالجيش الخاسر، وبذلك تحقق وعد الله بنصر المؤمنين تارة أخرى، ونجى المؤمنون من خطر كبير كان يهدد وجودهم ودينهم، فكان نصراً للمسلمين اضفى عليهم قدرة وعظمة جعلت مكة وضواحيها لا تفكر بعدئذ بحرب مع المسلمين. ولاجل هذا استسلمت بعد فترة من الزمن مكة واهاليها ليصبح الإسلام القوة الوحيدة في بلاد الحجاز.
المرحلة السادسة
اللجوء إلى اخطر سلاح (النفاق)
رغم انتكاسة الاعداء في حرب الاحزاب وخسرانهم الحرب آنذاك، ورغم ما ترتب على هذه الانتكاسة من عدم تفكيرهم بعدئذ بدخول حرب مع المسلمين، إلاّ أنّ ذلك ما كان يعني تركهم لمعارضة الإسلام ومخالفته. إنّ الأعداء، اثر ادراكهم فشل وسائل المواجهة السابقة
واقرارهم بذلك، بدأوا يفكرون بوسيلة ناجحة وفضلى للتخريب والدمار، وما كانت وسيلتهم الجديدة إلاّ النفاق.
إنّ الأعداء خسروا الحرب مع المسلمين، وهو أمر جعلهم في النهاية يستسلمون ويفتضحون إلاّ أنهم لم ينسوا حربهم مع الإسلام وعدائهم له، وقد تستروا في هذه المرحلة من المواجهة بنقاب النفاق وانتظروا يترصدون الفرصة للنيل من الإسلام وانزال الضربة القاصمة فيه. والآية الشريفة الأولى من سورة المنافقين ناظرة إلى هذه المرحلة من المواجهة
إذا جاَءَكَ المُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إنّكَ لَرَسُولُ اللهِ والُله يَعْلَمُ إنّكَ لَرَسُولُه واللهُ يَشْهَدُ إنّ المُنَافِقِينَ لكَاذِبُونَ
.
وبهذا الشكل تشكّل تيار النفاق ليصبح تدريجياً كالسيل الجارف، وظاهر هذه الآية وايات أخرى هو أنّ النفاق بدأ من المدينة. لكن هذا لا يعني أنّ مكة كانت تخلو من النفاق والمنافقين، فقد يملك البعض قدرة حدس وتخمين المستقبل وفكراً سياسياً قوياً، وكان من خلال ذلك قد رأى النصر النتيجة الحتمية لنشاطات الرسول(صلى الله عليه وسلم)