[align=right]المبحث الثالث
دار الزاوية
مع بناء الضريح بنيت دار لإيواء الشريفات الفقيرات، تنفق نظارة الأحباس على نزيلاتها وتكسوهن وتوفر لهن جميع ضروريات العيش الكريم، بعيدًا عن الالتجاء للغير، حفاظاً على كرامتهن وشرفهن. كما كان المحسنون يقدمون لهن في الأعياد الدينية الهدايا من لباس ومأكولات وأضحيات العيد.
وكانت لدار الزاوية مهمة اجتماعية أخرى، تتجلى في إيواء النساء اللائي يتخاصمن مع أزواجهن. وقد اعتاد الفلاحون والكسابة والتجار، من زرهون ومن مناطق أخرى، تخصيص جزء من منتوجهم أو كسبهم، و ينذرون ذلك للشرفاء، ويقدمونه أيام المواسم أو بمناسبة زيارتهم للضريح، حيث يسلم إلى مقدم دار الزاوية حتى يقرر المكلفون بالفتوحات مصيره: فإما أن يتمّ توزيعه على الشرفاء، أو بيعه وإظافة ثمنه إلى مدخول الربيعة (أي الصندوق المخصص لوضع الفتوحات النقدية)، ليوزع على المستحقين. ويوجد بالقرب من دار الزاوية بيت اللحم (أو دار الذبائح، كما سماها ابن زيدان)، تدبح فيها المواشي المهداة، وتوزع على الشرفاء حسب ترتيب سكناهم من الضريح. وكانت توجد سجلات خاصة بهذا التوزيع. وكان لدار الزاوية وبيت اللحم عدد من البوابين، يقومون بتوزيع المؤونة واللحم وبالتنظيف أيضا، وبما يحتاجه الضريح من أشغال. وكان عددهم يصل في بعض الأحيان إلى عشرين رجلا.
المبحث الرابع
عادات وتقاليد الأسرة الشبيهية
وحتى تكتمل نظرة القارئ على العائلة المعنية بهذا الكتاب، لابد من الكلام عن حياة أفرادها ومعاملاتهم العامة في بيئتهم ومحيطهم.
فالملاحظ والمعاش أن تصرفاتهم إسلامية الأساس، ممزوجة بما علق بها من مظاهر الحضارة عبر التاريخ، وتأثير المناطق التي سكنتها العائلة : طنجة، منطقة سهل الغرب، فاس ومكناس. هذا بالإضافة إلى تأثير علاقات العائلة بعائلات المناطق الأخرى التي تزور الضريح ويستضيفها الشرفاء، وكذا من خلال المصاهرة معها في بعض الأحيان، لأن العرف الذي كان سائدا في القديم في وسط العائلة ألا تتم المصاهرة إلا بين أبناء العمومة القريبة والبعيدة. ولا يجرؤ عامة الناس على الزواج من الشريفة، احتراما وتقديرا لها.
وكان للأب الدور الرئيسي في تسيير العائلة، في حين كان للمرأة الدور الأساسي في مباشرة شؤون البيت -وما أكثرها وأخطرها- نظرا لكون المرأة تتحمل مسؤولية تربية النشء، وتهيئته ليكون عنصرا صالحا لمجتمعه. وكانت للمرأة المسنّة الكلمة الأولى والأخيرة داخل البيت، لأن تجربتها وخبرتها تجعلان منها المؤطرة المسموعة الكلمة، توقرها كل نساء العائلة، وأمرها منفذ من لدن الجميع.
وقد امتازت هذه العائلة -غنيها وفقيرها- بمستواها الحضاري الرفيع. فمستوى المعرفة لأفرادها كان مرتفعا، لا يقل عن حفظ المتعلم لجزء من القرآن الكريم واطلاعه على عدد من المتون التي تجعله يلمّ بواجباته الدينية، ويقوم بعباداته على الوجه الصحيح، ويحفظ الكثير من التصليات والدعوات والأوراد. فكل أطفال العائلة مروا من "المسيد" أي الكتّاب القرآني. إلا أن الفتيات ينقطعن عن الدراسة ما بين ثمانية وعشرة أعوام. ومنهن من كانت تحفظ القرآن بأكمله، وعددا من الأحاديث، وبعضًا من أمهات الشعر العربي. بل كانت إحداهن تدرّس القرآن في بيتها للفتيات، وذلك ليتفرغن لتعلم تدبير شؤون البيت، إما داخل عائلاتهن أو عند دار المعلمة. وكانت لهذه الدور مهمة تعليم الفتيات قواعد الطرز الفاسي و الرباطي والسلاوي و صناعة الشبكة و الفصالة والخياطة والطبخ وتدبير شؤون المنزل.
أما الذكور فكانوا يتابعون دراستهم القرآنية والعلمية. ومن لم تكن له القدرة على ذلك، فكان يوجه حسب ميول والده الحرفي. وبما أن العائلة الشبيهية كانت تهتم بالفلاحة والكسب والصناعة التابعة لهما، فأفرادها كانوا ملاكين للأراضي، مزاولين للفلاحة بأنفسهم رغم غناهم وعلمهم. أما المهن الأخرى فلم تكن تستهويهم، ماعدا الخياطة والنجارة والتجارة. ولا يبقى منهم عاطلاً في وسط العائلة إلا أفرادا قلائل بسبب تخلفهم العقلي.
كانت الجدية والحشمة والرأفة والوقار تطبع سلوك أفراد العائلة فيما بينهم ومع أقربائهم ومعارفهم ومع باقي أفراد محيطهم. وكانت احتفالاتهم العائلية تجمع حولهم الأقرباء والأصدقاء. وكانت كل الاحتفالات –التي يتمّ تنظيمها بمناسبة ختمة القرآن الكريم، أو العقيقة أو الختان أو الخطوبة أو الزفاف- تبتدئ بإكرام الفقهاء والضعفاء على حد سواء. أما المأكولات فلم تكن تختلف كثيرا بالرُّغم عن اختلاف المستوى المادي للعائلات، لأن المؤازرة بين أفرادها كانت من شيم الجميع. وكانت صلة الرحم قوية ومستمرة بين الأفراد، والتواضع من طبيعة الكبير والصغير.
يتبع . . . .
[/align]
[align=center]المصدر:
http://chbihi-idrissi.ifrance.com/quisontchbihi.htm[/align]