[align=right]المشجرات والنقائض المحتملة
وهما نقيضتان من الناحية النظرية:
النقيضة الأولى : النقائض المتعلقة بالمشجرات في حد ذاتها .
ونعني بذلك أمرين هما:
1- قصور المشجرات المتسلسلة بالأسماء، عن الشهادة لهذه الأسماء من حيث وجودها في الأصل، أو ومن حيث مكانها الصحيح في السلسلة...الخ ، لأن هذه المشجرات تؤرخ لزمن طويل نسبياً يفصلها عن الحلقة الزمنية التي يتواجد فيها ، (الجد الأعلى ) في قمة السلسلة .
وهي بالتالي:
1-1.لا تؤرخ لأحداث معاصرة لكتابة الوثيقة ،
1-2.ولا هي تنقل عن معاصرين آخرين ،
1-3.ولا هي تستند على وثائق يمكن الرجوع إليها .
وهذا منهج لا يمكن قبوله علمياً ، لإثبات حقيقة تاريخية مهمة كحلقات النسب هذه التي يراد لها أن تقره ، وتؤكده.
ولاشك بأن مجرد قدم رقعة الورق التي كتبت عليها، أو قدم خطها الذي كتبت به، لا يجعل منها وثيقة تاريخية، يمكن توظيفها في هذا الاتجاه.
كما أن مجرد التقادم في الزمن، لا يزكي مضمونها أو يصدق المعلومات التي وردت فيها بالضرورة دون الحاجة إلى تأييد وثائق أخرى تعززها.
إذ لو كان مجرد قدم رقعة الورق ، أو مجرد التقادم بين زمن كتابة الوثيقة وبين متلقيها كاف وحده لاعتبارها وثيقة تاريخية مؤكدة المضمون ، لصار في استطاعة أي أحد الآن أن يكتب شجرة نسبه العائلي ، وفقاً لمزاجه ، وترتيبه الخاص ، وسيعتبرها أعقابه وكل من قرأها من الناس بعد مرور (200) عام حقيقة تاريخية مؤكدة ، لا يمكن مناقشتها ، أو الطعن فيها . ولصار تزوير وقائع الأنساب من أسهل الأمور وأبسطها . خاصة ونحن نعلم بأن شجرة الأنساب لا يمكنها أن تؤكد على سبيل اليقين أكثر من (4) أسماء أو (5) على الأكثر ،دون الحاجة إلى وثيقة أخرى إضافية لإكمال حلقة الأسماء التي تليها بعد ذلك .
ويمكننا أن نوضح ذلك بالمثال التالي :
محمد بن أحمد بن حسن بن عبدا لله ، ثم نتوقف ولا نثبت ( اسماً ) آخر ، حتى نجد وثيقة معتمدة ، سواء من وثيقة بيع أو شراء أو حبس ، أو غيرها من الوثائق التي يمكن الاعتماد عليها ، لاستئناف التتابع في سلسلة الأسماء الأخرى الواردة بعد الاسم الرابع من الأسماء .
فإذا حصلنا على هذه الوثيقة، وكانت صالحة لذلك صح لنا أن (تثبت) بها (4) أسماء أخرى فنقول:
محمد بن أحمد بن حسن بن عبدا لله بن بشير بن محمد بن عبدا لله بن أحمد... وهكذا في كل (4) أسماء نحن بحاجة إلي التوقف، والتريث، إلى أن نجد وثيقة معتمدة إلى نهاية الشجرة.
وهذه هي الطريقة العلمية، أما غير ذلك فهو مجرد كلام مجاني، ومحض ادعاء يمكن أن ينطلي على من لا دراية لهم بهذه الأمور، وليس على من يفترض فيهم المعرفة والخبرة في هذا المجال.
إذن، فهذه ( المشجرات ) تعتبر قاصرة عادة عن الشهادة الصادقة على سلسلة الأسماء الواردة فيها.. وذلك بسبب عدم صلاحيتها للشهادة على جميع الأسماء التي تضمنتهم السلسلة .
وهكذا (4) أسماء وردت في سلسلة عمود النسب ، هي بحاجة ماسة، إلى وثيقة عرفية مؤكدة ودالة ، وكلما تصاعدت السلسلة إلى أعلى، وأضيفت إليها (4) أسماء جديدة ، كان لابد من وجود وثيقة عرفية مؤكدة تشهد لهذه الزيادة .. وهكذا .
أما بخصوص المشجرات التي تعوزها مثل هذه الوثائق الداعمة والمؤكدة ، فإنها ستكون قاصرة عن الشهادة على السلسلة الكاملة ، التي تتضمنها المشجرة ، عاجزة عن إقرارها بشكل يقيني ، لا يرقى إليه غبار الشك، ولهذا فإن أقصى ما يمكن أن تدل عليه تلك المشجرات غير المدعمة بالوثائق العرفية ، هو اعتبارها مجرد قرينة تدل على وجود ( واقع شفهي ) متداول بهذه الخصوص يوماً ما .
2- سهولة كتابة المشجرات من وحي الخيال ، أو ليلي الظن والاشتباه والتخمين ، أو المرويات السمعية، التي لا يمكن إثبات صحتها أو نفيها. ولها عدة حالات من أجلاها، وأكثرها شيوعاً ما يلي:
2-1.اختراع مشجرة غير موجودة أصلاً .. سواء علم بها من التحق بها فيما بعد أم لا.
2-2.انتحال مشجرة موجودة من قبل.. اعتماداً على لعبة التشابه بين الأسماء دون تقديم البينات من الوثائق المتسلسلة الثابتة ، التي تؤكد على أن ذلك الاسم المتشابه مع ( اسم جدهم ) ، هو نفس (جدهم) الذي يرجعون إليه في الأصل ، وليس مجرد اسم وحسب.
2-3.الالتحاق بمشجرة جد ( مفترض ) ، دون تجسير الهوة الفاصلة بين هذا الجد ، ومن يفترض أنهم يرجعون إليه في الأصل.
2-4.الالتحاق بمشجرة جد ( مفترض ) ، دون تقديم البينات من الوثائق المستندات ، المؤكدة لصحة الأسماء الواردة في عمود النسب الموصل ، لهذا الجد .
ولهذين السببين كانت المشجرات، هي الحلقة الأضعف، والأشد قصوراً في مسألة إثبات النسب.
النقيضة الثانية : وهي النقائض الظرفية التي قد تحتف بالمشجرة:
ونقصد بذلك جملة الظروف التي قد ترافق كتابة المشجرة ، وتؤثر في مصداقية شهادتها على سلسلة الأسماء الواردة فيها ، من وجودها ، أو من حيث مكانها في السلسلة ، أو من حيث صحة تتابعها ، أو اكتمال حلقاتها .
ولها عدة حالات أهمها :
1- عندما لا تكون كتابة المشجرة في معرض توثيق النسب ، إنما في سياق آخر تماماً ، وهو معرض الشهادة الجزئية على واقعة محددة ، كالشهادة لنسب أحد الأشراف المغتربين خارج البلد لتؤكد بأنه ينتمي إلى النسب الشريف من ذرية فلان أو فلان .
2- عندما تأتي كتابة المشجرة ، في سياق الحفاظ على وحدة الكيان القبلي ، في ظل وجود هواجس اجتماعية ، أو تاريخية معاشة .
3- أو في ظل التنافس على الانتساب إلى النسب الشريف، أو في سياق الحساسات القبلية الموجودة بين الشرائح الاجتماعية المختلفة.
4- أو عندما تتم كتابتها في ظل ندرة الوثائق، أو قلتها، أو صعوبة العثور عليها، أو في ظل قلة الباحثين الجيدين الجادين الذي بمقدورهم صياغة مشجرة تحظى بالموضوعية والمصداقية معاً.
وفي ظل هذه الأمور ، أو بعضها ، سيكون من الخطأ الفادح أن نتعامل مع مثل هذه المشجرات ، انطلاقا من أنها مشجرات كاملة ، ودقيقة ، وشاملة ،وصحيحة بشكل كامل ، بحيث نبني عليها كل تصوراتنا عن الفروع ، والتفرعات ، والتواريخ والتسلسلات الزمنية ثم نحملها من المهمات والمضامين ، ما لا تحتمل بخصوص موضوع الأنساب قبل أن نقوم بدراستها ، ومراجعتها ، وتمحيصها ، خشية أن تكون قد شابها التحريف أو الدس أو القصور ، أو الغلط ...الخ. من أثر هذه الظروف الملابسة لكتابتها.[/align]