العودة   ديوان الأشراف الأدارسة > ديوان الأشراف الأدارسة > استراحة الأشراف الأدارسة > الرقائق والتزكية
 

الرقائق والتزكية البحث من خلال تراث الأمة عن منهج حقيقي يهدف إلى تزكية النفس وتربيتها على القيم الروحية والقواعد الإسلامية السامية.

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع

  #1  
قديم 02-09-2009, 01:49 AM
الصورة الرمزية أبركان
أبركان أبركان غير متواجد حالياً
كاتب
 




افتراضي أقول لمن يخوض بعقله في ذات المولى جل و علا

أقول لمن يخوض بعقله في ذات المولى جل و علا : إنك لتنظر إلى الظل فتراه واقفاً غير متحرك ، و تحكم بنفي الحركة ، ثم بالتجربة و المشاهدة - بعد ساعة - تعرف أنه متحرك ، و أنه لم يتحرك دفعة واحدة بغتة ، بل بالتدريج ذرة ، ذرة ، حتى لم يكن له حالة وقوف . و تنظر إلى الكوكب ، فتراه صغيراً في مقدار دينار ، ثم الأدلة الهندسية تدل على أنه أكبر من الأرض في المقدار . هذا ، و أمثاله من المحسوسات يحكم فيها حاكم الحس ، بأحكامه و يكذبه حاكم العقل و يخونه تكذيباً لا سبيل إلى مدافعته ، فبطلت الثقة بالمحسوسات ، فبم تأمن أن تكون ثقتك بالعقليات كثقتك بالمحسوسات و قد كنت واثقاً بها ، فجاء حاكم العقل فكذبها ، ولولا حاكم العقل لكنت تستمر على تصديقها ، فلعل وراء إدراك العقلِ حاكماً آخر ، إذا تجلى كَذَّبَ العقلَ في حكمه ، كما تجلى حاكم العقل فكذب الحس في حكمه ، و عدمُ تجلي ذلك الإدراك لا يدل على استحالة ،،، أما تراك تعتقد في النوم أموراً ، و تتخيل أحوالاً ، و تعتقد لها ثباتاً ، و استقراراً ، و لا تشكل في تلك الحالة فيها ، و ثم تستيقظ فتعلم : أنه لم يكن لجميع متخيلاتك و معتقداتك أصل و طائل . فبم تأمن أن يكون جميع ما تعتقده في يقظتك ، بحس أو عقل هو حق بالإضافة إلى حالتك التي أنت فيها ، لكن يمكن أن تطرأ عليك حالة تكون نسبتها إلى يقظتك ، كنسبة يقظتك إلى منامك ، و تكون يقظتك نوماً بالإضافة إليها فإذا وردت تلك الحالة ، تيقنت أن جميع ما توهمت بعقلك خيالات لا حاصل لها . و لعل تلك الحالة هي الموت ، إذ روي أن الناس نيامٌ فإذا ماتوا انتبهُوا . فلعل الحياة الدنيا نوم بالإضافة إلى الآخرة ، فإذا مات ظهرت له الأشياء على خلاف ما يشاهده الآن و يقال له عند ذلك : ( فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ ) [ق : 22] . [المنقذ من الضلال 1/9 ـ 10] بتصرف
و أقول ثانيا : لا خفاء في أن الله تعالى ربط بين الأسباب و مسبباتها في علاقة دائبة مطردة لا تتخلف حتى ليكاد يعتقد الإنسان فاعليتها من ذاتها ـ و معاذ الله ـ و إنما الغرض الأكبر من ذلك التعرف على الله تعالى إذا علمت أن لا فاعلية لها من ذاتها ، فَتُسْقِطُ حينئذ جميعَ تلك الأسباب التي كنت تتعلق بها لتتصلَ بسبب الأسباب الذي به تقوم سائر الأسباب ، فعدم التفاتك إلى الأسباب في الحقيقة إنما هو التفات منك إلى السبب الحقيقي ، لأنها تابعة له ، و كذلك حال العلم ، متعك الله تعالى بالعلم الذي هو في الحقيقة قطرة صغيرة من بحر فيوضات علمه جل و علا ، و لكن أخبرك و حذرك أن الاعتماد على علمك من جنس اعتمادك على الأسباب ، و أن مجاله منحصر فيما أحبه لك ، لا فيما لا قبل به لك ، و منه صفات الخالق جل و علا ، حيث نهانا الله تعالى عن الخوض فيها كيف و الخوض فيها من قبيل القيل في المستحيل ، لأن العقل إنما مجاله الأشياء ، و ليس مجاله ما ليس كالأشياء ، ( لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ) [الشورى : 11] فالعقل لبد و أن يقر بأن مجاله ينتهي إلى ما هنالك ، و أنه كل ما خطر ببالك فالله بخلاف ذلك .

 

 

التوقيع :
كن مع الله تر الله معك \\\ و اترك الكل و حاذر طمعك
لا تعلق بسواه أملا \\\ إنما يسقيك من قد زرعك
فإذا أعطاك من يمنعه \\\ ثم من يعطي إذا ما منعك
رد مع اقتباس
 
 


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 03:32 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir