بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وكفى وسلام على عباده الذين اصطفى وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم .
اعلم أن طريق أهل الله أهل الحق مدارها على الصدق ورأسمالها :الذل ونهايتها :الفرق , قال العارفون: حكم القدوس أن لايدخل حضرته أرباب النفوس ، والطريقة :معاملات ،والحقيقة: مكاشفات، والمجاهدة توجب المشاهدة , الشريعة:هي الأحكام الشرعية،والطريقة:تتبع الأخلاق المحمدية, والحقيقةهي الشرب من الكؤوس الأوحدية ،من لم يحكم الطريقة لا يشرب من كؤوس الحقيقة، باب : في آداب الطريق وكيفية أخذ العهد :
الطريق :هو اتباع ما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم من رب العزة والتخلق بأخلاقه بعد التخلية من الأخلاق الرذيلة ، ولها شروط وأركان وأصول وآداب :
• شروطها : (الأول):وصول المريد على يد أستاذ واصل عارف بالله يبايعه ويلقنه العهد ،ومعناه :قربة دينية والأصل فيه قوله تعالى (وأوفوا بعهد الله إذا عاهدتم ) وقوله تعالى ( إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله يد الله فوق أيديهم ) وكيفيته أن يضع يده في يد المريد بعد الطهارة ويجعل راحته ويقبض إبهامه ويستعيذ بالله من الشيطان الرجيم وبسم الله ويستغفره ويتوب إليه ويأمر المريد بذلك كله ثم يقرأ الأيتين المتقدمتين في أصل العهد ثم يبايعه على أن لايشرك بالله شيئاً ولايسرق ولا يزني ولا يقتل أولاده ولا يأتي ببهتان يفتريه ولا يعصيه في معروف فإن وفّى فأجره على الله وإن أصاب من ذلك شيئاً فعوقب به في الدنيا فهو كفارة له وإن أصاب من ذلك فستره الله فهو إلى الله إن شاء عاقبه وإن شاء عفى عنه ثم بعد ذلك يلقنه وكيفية التلقين : أن يأمر الشيخ مريده بتغميض عينيه وسماع ذكر الجلالة منه ثلاث مرات ويذكرها المريد بعد سماعها منه ثلاث مرات ثم يضرع الشيخ إلى الله تعالى ويسأله تيسير وصوله إليه بالنصر على النفس الأمارة بالسوء والفتح المبين ويأذن له بالاستغفار .
(الثاني): دوام ربط قلب المريد بشيخه .(الثالث): دوام الطهر. (الرابع ): دوام الصوم .(الخامس):دوام المحافظة على صلاة الجماعة والجمعة .(السادس):دوام الذكر.(السابع):دوام الشكر.(الثامن):الإخلاص .(التاسع):اشتغال قلبه بربه مع قطع علائق الدنيا منه .(العاشر):أن لايعلق قلبه بكرامة .( الحادي عشر):أن يعتقد أن الله ليس كمثله شيء ولا تدركه الأبصار ولا يأمر بالفحشاء .
• أركان الطريق :1.الجوع 2.السهر 3.الصمت 4.العزلة عن الخلائق إلا لأخذ علم أوإصلاح يبن الناس .
• أصول الطريق:
1.التوبة الكاملة 2.الجهاد الأكبر وهو جهاد النفس الأمارة بالسوء والاستعانة عليها بتوفيق الله لابحزمه وعزمه 3.الدعاء وهو الاخلاص في العبادة 4.الخوف من سطوة الله 5.الرجاء من الله 6.الورع عن المحرمات والمكروهات والمباحات والشبهات والاعتبار 7.التقوى :وهي السبب الأقوى 8.الزهد بأنواعه 9.الصبر بأنواعه 10.الشكر لعظمة الله 11.القناعة 12.التوكل على الله في جميع أموره وآدابه .
• آداب الطريق:
منها مايتعلق بالشيخ ومنها مايتعلق بالمريد:1.ما يتعلق بالشيخ :أن يكون له عقل يهدي به وعلم يرشد به وأدب وقناعة وقوة وسخاء وشفقة والزهد في الدنيا وعدم المبالاة بها أقبلت أو أدبرت والسخاء والجود والكرم والأخلاق وطلاقة الوجه , واجتناب الخلاعة والضحك وملازمة الحلم والصبر والروع والخشوع والتواضع والتنزه عن دنيء الاكتساب وغيرها من الآداب الكثيرة , ويجب أن يكون الشيخ مؤتمناً على دينه واصلاً إلى الله خيراً بالحال والمقال والمنازل والأهوال مترقباً مقامات الرجال الكمّل الأخيار شرعياً حقيقياً سلوكه على الكتاب والسنة متصلاً نسبه إلى النبي صلى الله عليه وسلم واصلاً إلى الله عز وجل , فالشيخ في الحقيقة هو الوسيلة والواسطة ولولا الواسطة لذهب كما قيل الموسوط ولولا المربي لما عرفت ربي .
آداب المريد : فهي كثيرة متنوعة :1.آداب المريد في حق شيخه : يجب أن لايدخل على شيخه إلا وهو متطهر وأن يجلس بين يدي شيخه بأدب واحترام ولا يفشي سره في حضرة الناس وأن يسلم له بدون اعتراض ولا يمشي أمامه ولا يكتم عنه من أحواله شيئاً ولا يفعل شيئاً إلا بإذنه ويقوم لقيامه ويقبل عليه إذا جاء وإذا أراد الذهاب استشاره ويجب امتثال أوامره واجتناب نواهيه وإذا أهداه شيئاًفليحافظ عليه ويعظمه ولا يفرط فيه لأحد ، وعمدة الأدب مع الشيخ محبته وأن لايغضبه بشيء وأن يرى أن ما أصابه من الله فهو كرامة وبركة شيخه فإن نور كل مريد من نور شيخه ، ومن آداب المريد مع شيخه أيضاً أن لايجلس على سجادته ولا يسبح بسبحته ولا يجلس في المكان المعدّ له ولا يعاشر من كان الشيخ يكرهه ، ومنها : ملازمة الورد الذي أمره به الشيخ .
2. آداب المريد في حق إخوانه :فهي كثيرة نذكر بعضاً منها :
أن يعاملهم بالحسنى وإعطاء كل ذي حق حقه من والد ووالدة وزوجةوولد وصاحب وجار وأخ في الطريق وأن يحبهم ما يحب لنفسه وأن يعودهم إذا مرضوا ويسأل عنهم إذا غابوا ويبتدئهم بالسلام مع طلاقة الوجه وأن يراهم خيراً منه وأن يوقر كبيرهم ويرحم صغيرهم ويرغبهم في ذكر الله وحبه حتى يرضى الله عنهم ويرشد إخوانه ويعلمهم الآداب الشرعية وأن يدعو لإخوانه بالمغفرة والرحمة والعفو في أوقات التجلي .
3.آداب المريد مع نفسه : أن يكون ورعاً صابراً تقياً محافظاً على صلاة الجماعة زاهداً في الدنيا راغباً في الآخرة موافقاً للشرع المصون في عمله قليل النوم خاصة وقت السحر وأن يتزوج إذا كان أعزباً ولا يكون ذا حسد أو غيبة أو نميمة أوبغي أو مكابرة أو مجادلة أو كذب أو كبر أو عجب أو رياء أو فخر أو شح وأن لا يختلي بامرأة أجنبية , إلخ من الآداب الكثيرة . فالشريعة هي أن تعبد الله والطريقة أن تحذره وتخشاه والحقيقة أن تشهده حتى تراه ,وهذه نهاية آداب المريد في حق نفسه .
باب آداب الذكر
الآداب قبل الذكر:التوبة والطهارةمن الحدثين وانشغال القلب بالله واستمداده بقلبه عند شروعه بالذكر بمدد شيخه لأن مدد الشيخ من مدد المصطفىصلى الله عليه وسلم.
الآداب في حال الذكر :جلوسه في مكان طاهر كجلوسه بين يدي ربه ويطيب بدنه وثوبه ومكانه برائحة طيبة ولبس ثوب حلال وتغميض بصره وصدقه في الذكر وإخلاصه واختيار من صيغ الذكر ( لاإله إلا الله )لأن لها سراً عظيماً وأن يقولها مع استحضار معنى الذكر بقلبه حتى يمتزج دمه بلحمه .
الآداب بعد الذكر : الصمت والخشوع والفكر وذم النفس ومنع شرب الماء لأنه يطفيء حرارة الشوق إلى المذكور الأعلى وبعد فراغه من الذكر يطرق رأسه قليلاً ثم يرفعه ويسأل الله تعالى . الأمور التي يستحق المريد عليها الطرد من الطريق :
سوء الخلق والكبر على إخوانه ومجادلة الشيخ ومماراته بغير وجه حق والاعراض عن مجلس الذكر أو مجلس الوعظ والتفريط في الطاعات خصوصاً صلاة الجماعة لغير ضرورة دينية وكثرة الضحك واللهو واللعب في مجلس شيخه والجلوس في مواضع التهم وارتكاب المعاصي كالزنا وشرب الخمور والتعامل بالربا وأكل مال اليتيم وأكل أموال الناس بالباطل وقتل النفس والسرقة وعقوق الوالدين والظلم إلى غير ذلك , فإن تاب المريد ا-لمرتكب للمنهيات أنسىالله الحفظة وأنسى الحفظة وأنسى ذلك جوارحه ومعامه من الأرض حتى يلقى الله وليس عليه شاهد بذنب .
أنواع السالكون :واعلم أن السالكون ينقسمون إلى أربعة أقسام :
1-سالك 2-مجذوب.3-سالك متدارك في الجذبة 4-ومجذوب متدارك بالسلوك.
فالسلك المجرد لا يؤهل للمشيخة ولا يبلغها لبقاء صفات نفسه فيقف عند حظه من رحمة الله في مقام المعاملةوالرياضةوالمجذوب المجرد من غيرسلوك يناديه الحق جلّ وعلا بآيات اليقين ويرفع عن قلبه شيئاً من الحجاب ولا يؤخذ في طريق المعاملة فهذا أيضاً لا يؤهل للمشيخة ويقف عند حظه من الله تعالى مروحاً بأحواله غير مأخوذاً بها في الطريق والسالك الذي تدارك بالجذبة هو الذي كانت بدايته المجاهدة والمكابدة بالمعاملة والإخلاص والوفاء والشروط ثم أخرج من وهج المكابدة إلى روح الحال فوجد العسل بعد العلقم وتروح بنسيمات الفضل وفتح عليه فتح الغيوب وصار ظاهره سداد وباطنه مشاهدا وصلح للخلوة وصارله في خلوته جلوه ومثل هذا يؤهل للمشيخة والقسم الرابع وهو المجذوب المدارك بالسلوك يناديه الحق تبارك وتعالى بالكشوف وأنوار اليقين ويرفع عن قلبه الحجب . ومن هذا القسم كان شيخنا العارف بالله تعالى السيد الشيخ سعد الدين الجباوي الشيباني الجناني الحسني فإنه فتح عليه بالجذبة ثم أفاض باطنه إلى ظاهره وجرت عليه صور المجاهدة والمعاملة من غير مكابدة وعناء بل بلذاذة وهناء حتى امتلأ قلبه بحب ربه ولقد روي أنه كان كان يكون جالساً فيبتسم ثم يغلب عليه الجلال فيبكي ثم يقول الله فيخرج من فيه لمع نور يشاهده كثير من جلسائه نفعنا الله