ألسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
لقد برز من الأشراف القلاقمة في بلاد شيقيط أعلام كثر فضلاء على مر التاريخ ، و لعلنا نورد في
هذه العجالة بعضهم للفائدة على أن نتابع الموضوع لاحقا إن شاء الله تعالى :
أولا - الشيخ يربانّ بن الشيخ الطالب أخيارالقلقمي الإدريسي : وهو أحد أجِلَّة العصر المشهورين ، وبقية السَّلف علماً و خلقاً و ديناً . وقد ولد في الحوض الشرقي من بلاد شنقيط في أوائل العقد الرابع من القرن الرابع عشر الهجري ، ونشأ في حضن والديه ، وظهرت عليه مخايل النبوغ و الذكاء منذ الصغر.
أخذ القرآن الكريم عن خاله الشيخ أمانة الله بن الشيخ يربانّ القلقمي من قراءة واحدة فأهداه مصحفاً مكافأة له على تميزه من بين أقرانه ، ثم تفقه به و بالعلامة حيده بن الحاج عمر الجكني و غيره ، و تصدر على الشيخ الطالب بوي بن الشيخ سعد أبيه الكبير القلقمي.
ولماحصل له المراد تفرغ للتربية و الإرشاد ، وتخرجت به جماعة من الفضلاء لعل أبرزهم الفقيه غالي بن زيدان الكُبيتي ، و الشيخ أحمد فال بن وداعة التيشيتي ، و الفقيه يِبَّ بن واوح الطلابي .
و لم تكن له محضرة بالمعنى التقليدي ، و إنما كانت له مجالس علمية مفتوحة أمام الجميع يتناول
فيها بعض العلوم والمعارف يتلقفها الحضور برغبة و نهم ، يسرد فيها النصوص بمعانيها ، محلاّة بما يضيفه إليها من فوائد و فهم يفتحه الله عليه مما يزيد المعنى بياناً و إشراقاً ، و منهم من يكتبها في كنّاشه .
و قد تميزت حياته بكثرة الترحال فزار اترارزه و البراكنة و العصابه و الحوض الغربي إلا أن غالب تواجده كان في الحوض الشرقي ، كما دخل إلى صحراء مالي في أواخر السبعينات من القرن الرابع عشرالهجري في طريقه إلى الحج ، و لكن الظروف حالت دون إتمام الرحلة فأقام بين القبائل العربية هنالك سبع سنين موجهاً ومعلماً ، و له بتلك المناطق تلاميذ و محبون .
و التقى بطائفة من المشايخ و الأعلام ، و حصلت بينهم محبة و مؤانسة مثل الشيخ التراد بن العباس القلقمي و نجليه الشيخ سعد أبيه و الشيخ المحفوظ ، و الشيخ أحمد الهيبه بن الشيخ سيدي الخير القلقمي ، والعلامة محمد سالم بن الشين الأدكوجي ، و الشيخ محمد عبد الله بن آدَّ البوصادي ، و الشريف إبَّاتن بن مولاي الحسن الأرواني ثم التنبكتي ، و العلامة محمد فضل الله بن أهل أيدا الجكني الوسري رحمهم الله تعالى ، و غيرهم .
كان يتنقل في موكب مهيب تحفه السكينة و يعلوه الوقار ، و يستقبله الناس بالفرح و الإحتفال ، سيان في ذلك البادية و الحاضرة ، و يودَّع مأسوفاً على فراقه و لكن بمثل ما استقبل به من البهجة و السرور . و جرت العادة أن يقف الرَّكب حتى يُحلب اللَّبن و يضاف إليه السُّكر و يقدم إلى المشيعين ،
ثم يعقبه الدُّعاء و طلب المسامحة من الكافَّة.
وقد اشتهر بالكرم و الشجاعة و كثرة الإنفاق ، و العطف على اليتامى و الأرامل و المساكين ، فكانت أيامه كلها أعياداً ، و إذا حلَّ بأرض استبشر أهلها ، و وسَّع عليهم ، و لا يرضى لأيٍّ كان أن يتخلَّف عن ضيافته ، ولا عن دروسه العلمية .
وتذكر قصص عن شجاعته ينقضي منها العجب ، فمن ذلك أنه نزل ذات مرة عند حي في بادية مأسدة ، فهجم الأسد على غنمهم قبيل الغروب ، فوجم القوم ، و قيَّدهم الرعب ، فانطلق إليه مسرعاً ، و طفق يضربه و يزجره ، فتركها و انصرف مهزوماً بإذن الله .
و كان يتحرى السنة في شأنه كله ، أمارا بالمعروف نهاء عن المنكر ، مداوماً على الوضوء سيان عنده الصيف و الشتاء ، و يعقد التسبيح في أصابعه ، و يمانع في تقبيل يده هضما لنفسه ، و إن اضطر يقول : ( تندب الموافقة فيما لا إثم فيه ) . و كان يأمر أهله بالتقوى و ملازمة ذكر الله عز وجل على كل حال ، و يحثهم على الصلاة ، و يرغبهم في قيام الليل و لو ركعتين .
و عرف عنه كراهته الشديدة للتبغ تدخينا و نشوقاً ، و لا يسمح لمدخن أن يذبح له أو يصنع له طعاماً و لا شراباً تنفيراً منه ، و ما ذلك إلا لحرمته شرعاً ، و له فتاوى تلقاها الناس عنه شفاها ً.
و يعدُّ مرجعاً في علم الأنساب سيما النسب الشريف ، وَصولاً للرّحم ، بالاًّ لها ،
مقصوداً في الحوائج، و يُهدي و يُهدَى له . محباً للمسلمين ، متودداً لهم ، يفرح لسرّائهم و تسيئه ضرَّاؤهم ، ساعيا في نصرتهم و إعلاء شأنهم ، و كان يقتني من السلاح بندقية و سيفا .
ولم يزل عازماً على الحج متهيئاً له ، معمراً أوقاته بالذكر و الطاعات حتى فاضت روحه إلى بارئها في ضاحية مدينة تنبدغة الجنوبية فجر يوم الجمعة 28 ذي القعدة سنة 1401هـ الموافق 18 سبتمبر سنة 1981م ، ودفن في مقبرتها الشرقية المحاذية لطريق الأمل رحمه الله تعالى .
ولما توفي وجدت في جيبه قصيدة الفرزدق رحمه الله المشهورة التي يمدح بها الإمام علي زين العابدين بن الحسين رضي الله عنهما ، و مطلعها :
هذا الذي تعرف البطحاء و طاته * * * و البيت يعرفه و الحل والحرم
هذا ابن خيـر عباد الله كلهم * * * هذا التقي النقي الطاهر العلم
هذا ابن فاطمة إن كنت جاهلـه * * * بجده أنبياء الله قد ختمو ا
وهو كان يحفظها ، و يسردها في مجالسه عند موجبها ، ولعلها رسالـة لأولاده و محبيه ليأخذوا بتلك المعاني الشريفة ، والمناقب السامية الـتي وردت في طياتها .
و له إخوة أشقاء صلحاء توفوا قبله ، ولم ينجب منهم سوى أخوه محمد الملقب بحيد و هو من أهل العلم و التقوى رحمهم الله تعالى .
المرجع : أعلام الشناقطة في الحجاز و المشرق جهودهم العلمية و قضاياهم العامة ، من القرن
الخامس إلى القرن الخامس عشر الهجريين لمؤلفه الشريف أبوعلي بحيد بن الشيخ يربان الإدريسي .