العودة   ديوان الأشراف الأدارسة > ديوان الأشراف الأدارسة > مشاهير وأعلام الأشراف الأدارسة
 

مشاهير وأعلام الأشراف الأدارسة كل شخصية مشهورة أو عرفت كعلم في أي مجال من المجالات منذ قيام دولة الأدارسة بالمغرب الأقصى إلى الوقت الحاضر.

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع

  #1  
قديم 12-12-2012, 05:13 AM
عبد الخالق البوزيدي عبد الخالق البوزيدي غير متواجد حالياً
كاتب نشيط
 




افتراضي أبو الفتوح عبد الله التليدي

أبو الفتوح عبد الله التليدي


من كتاب "عبد الله التليدي : العلامة المربي والمحدث الأثري" للأستاذ الحسين مولاي هشام اشبوكي.

بسم الله الرحمن الرحيم

قد نشرت لي دار القلم كتابي "عبد الله التليدي : العلامة المربي والمحدث الأثري"، وكنت أشرت في مقدمة الكتاب أن هذا المجهود المتواضع هو اختصار لكتابي الذي عنونته بأنيس دربي وهداية ربي لسيرة الشريف والمحدث المربي سيدي عبد الله التليدي حفظه الله".
وأود من خلال هذه الحلقات المتتالية في منتديات الغريب الحبيبة أن أنشر بعضا من فقرات هذا الكتاب نظرا لأهميتها، ولأتمكن من الرد على كل من له سؤال أو استفسار حول حياة شيخنا حفظه الله ومنهجه الحديثي والروحي..

... فترة ما قبل ولادة شيخنا حفظه الله ...

روى البخاري ومسلم كلاهما في الفتن عن المغيرة بن شعبة أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال : لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق حتى يأتي أمر الله .
ورويا أيضا ومعهما الدارمي والحديث متواتر عن جابر بن سمرة أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال : لا يزال هذا الدين قائما تقاتل عليه عصابة من المسلمين حتى تقوم الساعة .
قد مر بنا في الفقرات الماضية كيف أصبح المغرب عرضة للطالب من الأجانب المستعمرين حتى سلم مقاليده ملك خائن مستسلم .
وسنفرد الحديث هنا على الجهة الشمالية من المغرب التي منها كانت أسرة آل التليدي أصل شيخنا سيدي عبد الله قدس الله سره .
ما زلنا مع الشريف الريسوني الذي ترك بصماته في تاريخ ما قبل الاستعمار وما بعده . ففور اعتلاء عبد الحفيظ عرش أخيه المخلوع ندب الشريف الجبلي مولاي أحمد الريسوني لتأييده ومبايعته فعينه السلطان الجديد حاكما على منطقته الجبلية بشروط نذكر منها تنازله عن الحماية الأجنبية الإنجليزية .
استطاع الريسوني في العهد الحفيظي أن يضبط أمر القبائل التي تولى حكمها خلال مدة أربع سنوات فصارت السبل آمنة وقلت جرائم قطع الطرق والاعتداء على الأموال وانتشرت هيبته نتيجة الخوف من بطشه .
لكن بعدما وقعت الحماية تحول الشريف الريسوني إلى التمرد مع حركات التحرر والمقاومة في دار بن قريش التي عرفت التحاما قبائليا في جهة الشمال منقطع النظير مقارنة مع باقي مناطق المغرب .
مدشر دار بن قريش الحزمري أصبح رباطا جهاديا إلى جانب مدشر أبي ريان الودراسي ومدشر صدينة الحوزي حوصرت بسببها مدينة تطوان وقطعت الطرق الاستعمارية ونهبت قوافلها .
في هذه الفترة كانت مدينة طنجة تعيش حالة استثناء بوجود الشيخ البركة سيدي محمد بن الصديق رحمه الله على ربوعها الطيبة مجاهدا ومعلما ومربيا .
هذه المعلمة التاريخية الخالدة هي التي سينتمي إليها فيما بعد شيخنا سيدي عبد الله قدس الله سره وسيحمل عن طريق الابن الأكبر سيدي أحمد نور الله ضريحه قبسا من قبسات تربيتها وجهادها ضد الاستعمار الكافر .
فقد كانت الأسرة الصديقية بعد الأسرة الكتانية الأسرة القائمة بالقسط بين المسلمين المغاربة في شمال المغرب وعروسه طنجة .
ومما يؤثر عن سيدي محمد بن الصديق رحمه الله أنه كان لا يخاف من الاستعمار كيفما كان لونه وأسلوب تعامله، محذرا في خطبه التي كان يلقيها بالزاوية الناصرية من مغبة الركون إلى الذين ظلموا من الكفار وغيرهم ممن تشبهوا بهم وتغربوا بأفكارهم وتمذهبوا في مذاهبهم الباطلة .
وبعدما شرع المستعمر الفرنسي في بناء مدرسة غينيول لتعليم اللغة الفرنسية شن العارف بالله سيدي محمد قدس الله سره حربا ضروسا على المدارس النصرانية بالخطابة والدروس المتاحة في المناسبات المتعددة ومنازل الأعيان من أهل طنجة .
حتى إن سفير فرنسا في المغرب اغتاظ لذلك واحتد غضبه واشتد، وأمر أذنابه بمطاردة الشيخ الصديقي وعزله عن الخطبة .. فلما شاع الخبر في الناس بأسرع من لمح البصر اجتمعوا وتوجهوا إلى الباشا يتوسطهم الشيخ، فلما وصلوا إلى المحكمة شرعوا في قراءة سورة الفتح بلسان واحد رافعين بها أصواتهم، فارتجت المحكمة ودهش الباشا وبقي في انتظارهم إلى أن ختموا السورة، فأعلموا الباشا بأن عزل الشيخ عن الخطبة هو عزل لهم وأن فرنسا اللعينة تتدخل فيما ليس هو من شأنها .. .
ومن الوقائع السياسية العجيبة للشيخ سيدي محمد بن الصديق رحمه الله أنه رفض مقابلة السلطان عبد الحفيظ العلوي الذي تمت معاهدة احتلال المغرب مع دولة فرنسا في عهده المشؤوم .
تنازل هذا الملك بعد توقيع هذه المعاهدة لأخيه يوسف ليسافر بعد ذلك إلى الحجاز حيث التقى بالمحدث الرباني سيدي محمد بن جعفر الكتاني وأظهر له من الأدب والتواضع ما أغره به .. فلما عزم عبد الحفيظ على الرجوع إلى المغرب طلب من الشيخ الكتاني رحمه الله أن يرشده إلى عالم يقتدى به فدله على الشيخ سيدي محمد بن الصديق بطنجة .
أرسل الشيخ الكتاني إلى الشيخ الصديقي رسالة يطلب منه قبول زيارة عبد الحفيظ له وملازمته والانتفاع بصحبته فرفض الشيخ على التو الرسالة والطلب معللا رفضه هذا بقوله : لا أجتمع بمن سلم المغرب إلى فرنسا وقتل سيدي محمد بن عبد الكبير الكتاني ظلما ولو فعل ما فعل .
لم يكن لينسى سيدي محمد بن الصديق الواقعة المرة من تاريخ الملك الجبار عبد الحفيظ العلوي، الواقعة التي أودت بحياة الشريف الرباني والعالم الصمداني سيدي محمد بن عبد الكبير الكتاني رحمه الله .
أما التاريخ المعاصر فلا نجده يذكر الجريمة الشنعاء التي تلبس بها عبد الحفيظ وكان ضحيته فيها عالم وقور يشد إليه الرحال للتربية والتعلم والتبرك .
وجدت مكتوبا في مخطوط سيدي لحسن بن أحمد الأنجري رحمه الله أحد الفقراء الصديقيين الذين لازموا المدرسة التليدية إلى أن وافته المنية بها :
أما عبد الحفيظ ذلك الجبار فإنه لما تغلب على أخيه وأبعده عن ملكه وصار الأمر بيده وبايعه الكافة من أهل المغرب صار يفكر في أمر يصلح به ملكه ويدعم به دعائم عرشه بدل من ساعته تلك الأنظمة وغير تلك القوانين وجعلها على غير ما كانت عليه قبل في أسرع وقت شأن كل ملك جبار ( إن الملوك إذا دخلوا قرية أفسدوها وجعلوا أعزة أهلها أذلة وكذلك يفعلون ) فبينما هو كذلك إذ قيل له إن الشريف سيدي محمد بن عبد الكبير قد قام عليك وبايعه عامة أهل البرابر وأكثرية أهل فاس وكل من كان من شيعته، فلا يسعك الآن إلا النهوض إليه وإلا فقد علمت مكانته عند الناس خصوصا أهل البوادي أصحاب إيمان وغيرة وإقدام وصدق ونية وإسلام وله في كل قرية أصحاب وكل مدينة أتباع وكل قبيلة أحباب فلا يسعهم إلا إجابة دعوته وتلبية ندائه، وهكذا أثقل هؤلاء الوشاة أذنا الأمير فأصبح الظن يقينا فجمع أهل الرأي والإصابة من أهل ديوانه فاستفسرهم أمر هذا الرجل وما قيل فيه فأشاروا إليه بقتله وإعدامه فلم يكن بأسرع من أن أمر بإحضاره فجيئ به مغلولة يداه من ورائه يحجل في قيوده فما تم وقوفه بين يدي هذا الجبار المخذول حتى أذاقوه أنواع العذاب وسمائم الذل والاستبداد وأنواع الخزي والإرهاب، فلما شبعوا من عذابه طرحوه للقتل فكان رأسه الشريف تحت أقدامهم ولسانه رضي الله عنه لا يفتر من ذكر الله تعالى، فذبحوه فمات رحمه الله ورضي عنه شهيدا عام 1328 هجرية . فكانت لهذه الوقعة ضجة عظيمة اهتز لها المغرب بأسره بل العالم العربي بأجمعه فلم تبق دار من دور المغرب إلا وبكت عليه بكاءا لا يعهد له مثيل ولا يشهد له تاريخ . والمغرب كله قد حزن لقتل هذا العارف بالله أحد فطاحل الأولياء الصادقين والعلماء المشهورين .. .
ونظرا لمواقف سيدي محمد بن الصديق رحمه الله الصارمة التي لم تكن لتروق أصحاب السلطة المخزنية وأذنابهم فإن لسان الذم والقذف لم يخطئ شخصه الكريم، فقد لمز بالخيانة والتعامل مع الاستعمار مع أنه كان له يد في حركة التحرير الريفية التي قادها الأمير محمد بن عبد الكريم الخطابي رحمه الله .
وهذا رفيق درب هذا الأخير السيد عبد الكريم اللوه يدلي بشهادته في هذا المجال ليبين للناس كافة أن ما ينسب إلى الشيخ سيدي محمد بن الصديق من تهم باطلة مكشوفة محاولة للنيل من تاريخ المقاومة ليس إلا وضرب لتراث رجل حافل بالتضحيات الجسيمة في سبيل نصرة الدين وحماية الوطن .
فقد قال : شارك عمليا في الحركة حينا حيث كان يأمر أتباعه بالجهاد معي في حركتي بالقبائل الجبلية ضد الإسبان كما كان يكاتب الشرفاء من أبناء عمومته في قبيلة بني سعيد الغمارية وفي قبيلة بني مصور ليكونوا يدا واحدة معنا في هذه الحركة التحريرية التي يطلق عليها اسم الحرف الريفية الإسبانية، وبدد بذلك جميع الشكوك التي كانت تحوم حوله في معاملاته مع الإسبانيين . وكنت الوحيد الذي عرف فيه هذا الإخلاص حسبما أعتقد هـ .
يكفي أن السيد محمد المجاهد الأنجري وهو أحد مريدي سيدي محمد بن الصديق رفقة مجموعة من أتباع المدرسة الصديقية هاجموا المراكز الإسبانية وقاموا بقطع الطريق بين سبتة وتطوان كما حاصروا مركز القصر الصغير الموجود بين طنجة وسبتة على ساحل البحر وطوقوه من كل جهة فاستسلم جميع الحامية من الجيش الإسباني بعد أيام من الحصار فكان العدد الذي نجا من الموت من أسرى المسلمين المغاربة 42 أسيرا قدم بهم إلى مركز الجهاد في قرية الرملة .
لكننا نجد أن التاريخ المعاصر لا يذكر هذه المعلمة كأحد المقاومين الباسلين للاستعمار وإن ذكر في صفحات من صفحات التاريخ الرسمي فيذكر على أنه خائن متعامل مع الأجانب ومتعاون معهم . وما هو إلا الحقد يملأ صدور أدعياء العلم في زمانه الذين لم يكونوا ليرتاحوا لآرائه السياسية وفتاواه الفقهية التي تأتي على غير مرغوبهم وهواهم .
وبعدما تقلد هؤلاء منذ عهد الاستقلال مناصب الإدارة والقرار والتعليم نالوا من الأسرة الكتانية ومن الأسرة الصديقية ومن كل الأسر العلمية الصوفية التي حافظت على روح السلوك وجوهر الدين وأساس العلم والتربية . والورع فيهم من أسدل الستار حين كتابته التاريخية على هذه الشخصية العظيمة وغيرها من رجالات التصوف والعلم الشريف .
يلخص لنا صديقنا الأستاذ المرحوم سيدي لحسن بن أحمد الأنجري رضي الله عنه في مخطوطه الحلل الودية في المآثر الصديقية هذا التاريخ الحافل فيقول :
وبقتل هذا العارف الكتاني زاد ما كان لشيخنا من البغض لهذه الدولة العلوية منذ كانت خصوصا هؤلاء الذين كان معاصرا لهم وأخص منهم هذا الجبار العنيد عبد الحفيظ الذي تولى قتل هذا الشريف بغير هدى من الله والله ولي الصالحين .. وقد كان يبدي تسخطه على هذه الدولة يوم قراءته بالجامع الكبير على مرأى ومسمع من الناس أجمعين وفيهم من كان حريصا على تبليغ أخباره رضي الله عنه إلى الحكام الأجانب بكل سرعة ودقة فلا يبالي، بل كان يبالغ إذا تعرض لهؤلاء الحكام مغربيين كانوا أو أجانب بالتقريع عليهم مبالغة كان يهتز المغرب دونها خصوصا وأن فرنسا يومئذ كانت حديثة عهد بدخولها المغرب فكانت تثق بكل ما قيل لها في شأن كل ملك من ملوكها العلوية عاملة لذلك جميع الوسائل الإرهابية بل والإعدامية أيضا خوفا من سلب إرادتها من المغرب .. ومع هذا الاحتراس العجيب والاحتياط القوي كان رحمه الله لا يعبأ بذلك كله ولا يلتفت إلى الوراء إذا عزم على أمره وقدم عليه .. وقد شوهد له بذلك في عدة مناسبات يوم دراسته بهذا الجامع . وفرنسا لم تكن تخاف من أحد ما كانت تخاف من الشيخ بن الصديق رحمه الله إذ كانت تهابه مهابة عظيمة حتى إن خروجه من داره لتعده من الأمور التي لا ينبغي لها التهاون بمثلها، واللوازم التي كانت تتخذ لديها جميع الاحتياطات إذ كانت تعلم بخروجه جميع المراكز العسكرية والبوليسية أن يكونوا على بال إذا مر بهم الشيخ بن الصديق أن يعلموها بذلك كيف ما كان الحال ولا يهدأ لها بال حتى يقال لها إن الشريف رجع إلى محله، إذ كان خروجه صعبا لديها، وكم مرة أرادت أن تمنعه من الخروج، مرة في خروجه إلى مصر لما دعي إلى مؤتمر الخلافة، ومرة بل مرات إلى غمارة ليصل أبويه، ومرة إلى الحج في تأدية فريضته .. رغم كونها كانت تمنعه من إعطائه جواز السفر، ومنذ كان رحمه الله لم يتخذ معه هذا الجواز ولا تصور أبدا، وقد خرج إلى عدة أقاليم كمصر والشام واليمن والعراق والحجاز وأرض الحبشة ولم يصحب معه شيئا من هذا، بل كان إذا أراد السفر أعلمها قبل شروعه في سفره بيوم أو يومين، فاليوم الذي أراد أن يشرع في مراده لم يمنعه شيء من تلك التهديدات التي كانت تهدده بها وقت خروجه بل يترك ذلك وراءه ظهريا ويتقدم إلى مراده حيث شاء .. ولما أصدرت قانون الضرائب والجبايات على تلك الأبنية وأهل التجارة وغيرهما في هذه البلدة قام رحمه الله وحده وأظهر تسخطه نحو هذا المشروع الخبيث الذي هو أول مشروع قبله أهل هذا البلد بكل ترحيب قامت وعملت لذلك مجلسا دوليا للنظر في أمر الشيخ ابن الصديق وموقفه في وجه الجميع وعدم الرضى بهذه المشروعات المتفق عليها فيما بينهم وتجاذبوا الحديث في مسألة الشيخ وتباحثوا فيها بحثا دقيقا خرج بهم إلى أن تفاوضوا جميعا أن لا يكلموه بشيء، إلا أن فرنسا من مكرها وخبث سياستها كانت تحب أن تباحثه إلى أن يصارحها بالمنع في هذه المسألة .. فإنه رحمه الله لو تبعه أهل طنجة ما كانوا ليقعوا في شيء من هذه المشروعات أصلا ولكن لما لم يجد في طريقه معينا على دفعها عن أهل البلد رجع وأبى في وحدته كل الإباء أن لا يؤدي ضربة ولا غيرها من القوانين الأجنبية بل ولا قبلها أيضا حتى لبى دعوة ربه رحمه الله .. ولما رأت فرنسا تصميمه على هذا الإباء عملت لذلك ظهيرا سلطانيا ونسبته إليه وأرسلته إلى ابن الصديق ليكون من الذين عفي عنهم من هذه التأدية خوفا من أن يرغب الناس عنها اقتداء بهذا الشيخ العظيم رحمه الله .. وهذه عادتها معه، فمنذ حل بهذا البلد وهي تسايره مسايرة عنيفة فما نجحت بغرضها فيه ولا فرحت بمطلوبها منه إلى أن أخذه الله طيبا طاهرا محفوظا بعنايته .. ولما مات رحمه الله فرحت لذلك فرحا شديدا بما لا مزيد عليه ظنا منها أن الجو قد خلا لها، فما كاد أن يتم فرحها حتى قيل لها إن الشيخ بن الصديق خلف أولادا كلهم على ذلك المنوال وأشدهم بأسا هو ولده الأكبر السيد أحمد فزاد غضبها وانقلب فرحها غيظا وأبدل نكاية خصوصا وقد شاهدت ذلك منه عيانا بعد أبيه بقليل من الأيام.. هـ.
إنه تاريخ عالم طنجة الذي يرجع إليه الفضل بعد الله سبحانه في النهضة العلمية المبرورة التي عرفتها المدينة على وجه الخصوص ومنطقة شمال المغرب على وجه العموم . نهضة عمت حتى خارج المغرب على يد ابنه الأكبر الحافظ سيدي أحمد رحمه الله .

 

 

التوقيع :
http://ar.netlog.com/abdoalbouzaydi/guestbook
هذا الذي تعرف البطحاء وطأته ... و البيت يعرفه و الحل و الحرم

هذا ابن خير عباد الله كلهم....... ... هذا التقى النقي الطاهر العلم
رد مع اقتباس
 

  #2  
قديم 12-12-2012, 05:19 AM
عبد الخالق البوزيدي عبد الخالق البوزيدي غير متواجد حالياً
كاتب نشيط
 




افتراضي رد: أبو الفتوح عبد الله التليدي

jh

إنه تاريخ عرف بتاريخ الاستعمار والانهزام أمام حضارة الغرب الطاغية، وعرف أيضا بتاريخ الفوضى الاجتماعية والاقتصادية وانتشار الجهل والجهالة بين أوساط الشعب وشرائحه المختلفة، لكنه لم يعدم سلسلة العلم النافع والنصيحة الخالصة التي ورثها شيخنا عن شيخه سيدي أحمد الذي ورثها عن أبيه سيدي محمد بن الصديق الذي ورثها عن رموز الأسرة الكتانية المجيدة .
فكما كان تاريخ المغرب في هذه الفترة تاريخ انهزام حضاري، كان أيضا تاريخ قائمين بالقسط من العلماء الربانيين رضي الله عنهم .
-- نسب شيخنا حفظه الله --
هو الفقير إلى ربه أبو الفتوح عبد الله بن عبد القادر بن محمد بن أحمد بن محمد بن عبد السلام التليدي، يتصل نسبه بجد أولاد التليدي سليمان بن محمد بن علي بن عيسى بن موسى بن إسماعيل بن حمزة بن عبد الله بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عيسى بن سيدي نابت بن مهدي بن خالد بن عمران بن صفوان بن يزيد بن خالد بن سيدي عبد الله بن مولانا إدريس دفين فاس بن مولانا إدريس فاتح المغرب بن مولانا عبد الله الكامل بن مولانا الحسن المثنى بن مولانا الحسن السبط بن الإمام علي ومولاتنا فاطمة الزهراء بنت سيد المرسلين صلى الله عليه وآله وسلم .

قال الشيخ حفظه الله في كتابه حياة الشيخ سيدي أحمد بن الصديق بعد ذكره لنسبه :
هكذا رفع نسب أولاد التليدي العلامة ابن الحوات نقيب الأشراف في تقييده المشهور، وهو الذي بأيدي أولاد التليدي وفي شجرتنا، وقد غلط من تكلم فيهم بالظن والتخمين كصاحب ممتع الأسماع في ترجمة العارف سيدي يوسف بن الحسن التليدي ومن تبعه من بعض المعاصرين .

والعارف بالله سيدي يوسف التليدي هو الولي الكبير وصاحب الزاوية المشهورة ببني تليد من قبيلة الأخماس الذي أخذ عن سيدي عبد الله الغزواني رضي الله عنه وكان من أكبر تلامذته العارف الكبير سيدي علي الشلي السريفي .
وقد توفي الشيخ يوسف رحمه الله سنة 950 هـ ودفن بزاويته التي لها أوقاف ودخل يصرف منها على الزوار وغيرهم إلى الآن، كما لها موسم سنوي يجمع معظم الأحبة من مغربنا الإسلامي .

وهذه شجرة النسب التليدي استخرجتها من رسوم العقود العدلية لهذه العائلة الطيبة :
سيدي عبد السلام التليدي كان له من الأولاد الطاهر ومحمد والطيب وعبد الله وأحمد وعائشة ورقية وفاطمة وخديجة والهاشمية من زوجته الأولى ومحمد وعبد القادر وقاسم من زوجة ثانية .
- وسيدي أحمد بن عبد السلام التليدي كان له من الأولاد محمد وفاطمة وعائشة .
- وسيدي محمد بن عبد السلام التليدي كان من الأولاد محمد وأحمد وقدور وعبد الرحمن وحساين وعائشة .
أما سيدي قدور بن محمد بن عبد السلام التليدي فكان له من الأولاد المفضل .
وأما سيدي حساين بن محمد بن عبد السلام التليدي فكان له من الأولاد رصفى وعبد السلام .
وأما سيدي أحمد بن محمد بن عبد السلام التليدي فكان له من الأولاد سيدي عمر وسيدي محمد ورحمة وخديجة.
وأما سيدي عبد الرحمن بن محمد بن عبد السلام التليدي فكان له من الأولاد أحمد .
- وسيدي المفضل بن قدور بن محمد بن عبد السلام التليدي كان له من الأولاد عبد السلام ورحمة .
- وسيدي عبد السلام بن حساين بن محمد بن عبد السلام التليدي كان له من الأولاد السعدية وفاطمة .
- وسيدي عمر بن أحمد بن محمد بن عبد السلام التليدي كان له من الأولاد عائشة ورحمة .
- وسيدي محمد بن أحمد بن محمد بن عبد السلام التليدي كان له من الأولاد سيدي عبد القادر وللا فاطمة .
- وسيدي عبد القادر هو والد شيخنا سيدي عبد الله قدس الله سره .
هذا وقد قمت بإذن الله بجمع العقود العدلية التي توفرت لدي بفضل الله عز وجل ثم بفضل الأخ الكريم سيدي عبد الله بن علي التليدي حفظه الله وهو من تلامذة شيخنا وأقاربه من جهة الجد الأكبر سيدي عبد السلام التليدي رحمه الله .

ويلاحظ أيضا أن الشرفاء التليديين مدينون لشيخنا سيدي عبد الله بالاحترام والتقدير إذ كان السبب في اشتهار اسم التليدي من جديد على مستوى العالم الاسلامي نسبا نبويا شريفا .
فبعد سيدي يوسف التليدي لا نكاد نجد أحدا من هذه الشجرة الطيبة مسطورا في كتب التراجم والتاريخ وإن كان فيهم العديد من الصالحين والعلماء ورجال التربية الصوفية .
وهذا الأمر ليس بالهين كما قد يظنه البعض، لما لبيت النبوة علينا من حقوق كتبتها شريعتنا وفرضتها وألهتنا الحداثة وجديد الحضارة عن الوفاء بها وأدائها .
وفي سنة 1416 هجرية يبرز اسم جديد للتليديين لكنه لا يخرج عن أسرة شيخنا سيدي عبد الله فيصدر عن دار البشائر الإسلامية كتاب لنجله الأكبر العالم القدوة والباحث الألمعي سيدي محمد بن عبد الله التليدي سماه: تراث المغاربة في الحديث النبوي وعلومه .
ويعد هذا المؤلف من الأبحاث العلمية الإحصائية النقدية التي نالت إعجاب عدد من الدكاترة والمحققين كالشيخ محمد عوامة والدكتور عبد السلام الهراس والدكتور سيدي إبراهيم بن الصديق الذين نوهوا بالجهد المضني والبحث المتتابع في المعاجم والمكتبات حول موضوع شغل بال أكثر الباحثين في العصر الحديث .
وفي الإهداء يقول سيدي محمد حفظه الله : إلى .. العقل العالم، الذي تلقيت عنه العلم .. والإنسان المؤمن، الذي رعاني .. إليك : والدي .. أهدي هذا الرمز .. وقد عشت معك بين الكتب سنوات، وسنوات .. عرفتك شغوفا بالحديث النبوي، خادما له .. فلتقر عيناك بهذا العمل .. ولعلك تخصني بدعوة صالحة تنفعني .. إبنك محمد .
ويقول رسول الرحمة سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم فيما رواه الإمام مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه :
إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاث : إلا من صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له .
إنها سلسلة نورانية خالدة تصل إلى الحبيب المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم، شيخا عن شيخ وعارفا عن عارف ومحدثا عن محدث وشريفا عن شريف.. وما زال الله يغرس غرسه المبارك، جعلنا الله من نواته وثمره آمين .
بارك الله في عمر شيخنا وفي مدة ملازمتنا له، ومتعه اللهم بسمعه وبصره وقوته ما أحييته واجعل اللهم هذا التمتيع هو الوارث منه يا أرحم الراحمين .
-- ولادته حفظه الله --
ولد شيخنا سيدي عبد الله بقرية الصاف من قبيلة بني جرفط عمالة تطوان سنة ست أو سبع وأربعين وثلاثمائة وألف .
وبعد ستة أشهر من ولادته انتهت الحرب العالمية الأولى لتبدأ تداعياتها في المستعمرات، فكان المغرب من جملة الدول المستهدفة من طرف الفرنسيين والإسبان .
فبعد هذه الحرب الضروس كان الاستعمار قد تغلغل في مجمل تراب إفريقيا، وأصبحت معظم البلاد الإفريقية، باستثناء ليبيريا وإثيوبيا، محكومة مباشرة من طرف القوى الاستعمارية الأوروبية أو تحت حمايتها كما هو الشأن بالنسبة لمغربنا، من طرف فرنسا، ومصر الشقيقة، من طرف بريطانيا .
نشأ الشيخ في زمن المقاومة والجهاد بعدما احتل الإسبان بعض الشواطئ المغربية في الشمال واتفاق معظم القبائل الشمالية على قتال الكفرة المستعمرين .
كان هذا الاتفاق في جبل العلم بعد زيارة وفود القبائل لضريح مولانا عبد السلام بن مشيش رضي الله عنه، يتقدمهم علماء المنطقة وطلبتها .
كانت هذه الزيارة من جملة الأسباب الروحية التي يقوم بها المجاهدون أملا في النصر القريب على العدو الغاشم، فالدعاء عند قبر ولي من أولياء الله مستجاب كما هو مجرب لدى أهل البصيرة من العلماء . وفي هذا يقول الشيخ الجليل ولي الله تعالى أبو سالم سيدي إبراهيم التازي دفين وهران رضي الله عنه :
زيارة أرباب التقى أمرهم يبري ومفتاح أبواب الهداية والخـيــر
وتحدث في القلب الخلي إرادة وتشرح صدرا ضاق من سعة الوزر
وتنصر مظلوما وترفع خاملا وتكسب معدوما وتجبر ذا كســر
إلى أن قال :
ولا فرق في أحكامها بين سالك مرب ومجذوب وحي وذي قـبـر
وذي الزهد والعباد فالكل منعم عليه ولكن ليست الشمس كالبـدر
وزورة رسل الله خير زيارة وهم درجات في المكانة والقـدر
وأحمد خير العالمين وخير من يممه العافون في العسر واليسر
صلى الله عليه وآله وسلم .
-- والد شيخنا المجاهد سيدي عبد القادر التليدي طيب الله ثراه --
كان والد الشيخ رضي الله عنه في طليعة هذه الحركة الجهادية المباركة إذ لم يرض بالاستسلام والخنوع كغيره من الخونة والجبناء رغم قوة العدو وجبروته .
ظل والده رحمة الله عليه مرابطا في الجبال المحيطة بدشار بني جرفط رافضا الإذعان وتسليم السلاح بينما كان الخائن عبد القادر أفلاذ قد عمل للإسبان الذين ما فتئوا أن عينوه قائدا على تلك المنطقة .
وبخيانة من أحد أقربائه سقط سيدي عبد القادر التليدي في يد المستعمر وأدخله الطاغية أفلاذ السجن ليمارس عليه حيله البشعة وتهديداته .. فعرض عليه النجاة من الحبس إن كتب له أرضا باسمه كانت تدعى الهداوية، وهي أرض واسعة كان يمتلكها والد الشيخ كابرا عن كابر، .. واشترط المغتصب أن تكون الكتابة عدلية .
خرج سيدي عبد القادر التليدي من السجن آثرا كرامته على الدنيا الفانية ومكتفيا بما كان يمتلكه من أرض أخرى صغيرة وماشية .. .
إلا أن المجاعة قد حطت رحالها في المنطقة فاضطر لبيع ما كان يمتلكه للهروب بعائلته من الفقر والفاقة .
كانت تلك هي ظروف الأيام الأولى التي عاشها الشيخ سيدي عبد الله وسط أسرته وهو ما زال رضيعا .. ظروف الحرب والمجاعة والمطاردة .
وتلك سنة الله في عباده .. فقد يخرج عزت قدرته من وسط الجهالة والفقر رجلا علامة يفوق علمه علم من أتيحت له الظروف وتيسرت له المسالك المادية والمعنوية لتكوين عميق وأصيل .

-- كرامة في فترة رضاعه حفظه الله --

وفي فترة رضاعه حدثت له كرامة عجيبة ذلك أن والدته رحمها الله كانت بسوق أربعاء عياشة على عادة نساء البادية في مساعدة أزواجهن في شئون الحياة فتأخرت عن الجماعة فآواها الليل إلى واد بعيد عن القرى والعمران فالتفت بطفلها في ثيابها وفي حصير كانت لها .. وبعد برهة من الزمن سمعت أصوات الذئاب تعوي بالقرب منها تريد فريسة ليلتها فنزل بأمه من الخوف ما كان يعلمه منها .. وبلطف إلهي خفي مرت الذئاب دون أن ترى شيخنا ووالدته فصرفها الله عنهما في سلام وأمان .

-- نشأة شيخنا حفظه الله --
هاجر سيدي عبد القادر التليدي مع باقي الأسرة إلى طنجة الهجرة الأولى بتستر من رجال الحدود فبقي بها مدة سنتين تردد في السنة الأولى صغيره سيدي عبد الله الذي بلغ من العمر خمس سنوات إلى المكتب القرآني لكن دون أن يتعلم شيئا ولا حرفا واحدا إذ لقي إهمالا من قبل المدرر المكلف بتحفيظه القرآن كعادة ينهجها المحفظون تجاه الطلبة الجدد وهي عادة سيئة تؤثر سلبا على تكوين الطالب وتعليمه.

كانت هذه المرحلة من حياة الشيخ زمن الحرب العالمية الثانية في الأربعينيات من القرن الماضي وما زالت ذاكرته تستعيد صور طائرة ألمانية من غير جناحين كانت تحلق فوق الأجواء الشمالية من المغرب، كما كان يسمع دوي القنابل والصواريخ وهو منهمك في حفظه لكتاب الله عز وجل.
عاد سيدي عبد القادر من جديد إلى قرية الصاف ليهاجر ثانية بابنه عبد الله مع باقي الأسرة إلى مدينة طنجة وسن شيخنا دون العشرة، فإذا برجال الحدود يلقون القبض على والد الشيخ مطالبين إياه ببيان هويته فبقي مسجونا إلى أن تعرف عليه أحد شيوخ المنطقة ومقدميها.
لم يكن شيخنا قد ختم إلا سلكة واحدة وهذا ما يسميه أهل القرآن في المغرب بالسور فكلما ازدادت سور التلميذ ازدادت محفوظاته .

فكان محل سكنى العائلة أولا بحي بوقنادل ثم انتقل والده إلى حي مسترخوش ثم رحلوا إلى الدرادب وسكنوا بحومة سيدي قاسم .. ما ذلك إلا لضيق العيش آنذاك وصعوبة وجود مأوى مناسب لمجموع الأسرة .

وتردد شيخنا في هذه الفترة إلى الشيخ سيدي الراضي المصوري في حي الدرادب ليحفظ القرآن الكريم في محل هو الآن مخرب قبيل مسجد الموحدين .. كما تتلمذ أيضا في مسجد صغير بحي مسترخوش، ما زال إلى اليوم تقام فيه الصلوات، بالقرب من الملجأ الخيري .

وكان على أبيه أن يرسله بعد ذلك بسنوات إلى قرية الصاف لحفظ كتاب الله على المقرئ عبد السلام بن حمان الشقاف والمقرئ عبد السلام بن عزوز فنزل عند سيدي عمر التليدي عم والده مدة سنتين حتى ختم حفظه للقرآن الكريم .

ويعد سيدي عبد السلام بن حمان من الصالحين الأول الذين التقى بهم شيخنا في حياته وسيراه سيدي عبد الله في المنام بعد ذلك كأنه راجع من زيارة الديار المقدسة فقال له شيخنا :
هنيئا لك بالزيارة يا سيدي، فأجابه الشيخ المقرئ : وهنيئا لك أيضا بالعلم .

كما قرأ في فترة أخرى على فقيه من بني جرفط يدعى سيدي أحمد حليمة أمسناو لكنه لم يلبث أن توفي الفقيه رحمه الله .

ذاق الابن في قرية الصاف ما ذاق والده من طغيان العشيرة الأفلاذية التي تعزز وضعها في منطقة بني جرفط وما جاورها من القرى والمداشر .
فلمجرد مزاح بينه وبين ابن أفلاذي تعرض شيخنا المراهق حفظه الله لأنواع من الضرب القاتل من طرف أفلاذي كبير في السن انتقاما لصغيره المدلل .. .
وهي صورة من الصور الكثيرة التي لم تبرح مكانها من الذاكرة التليدية الحافظة .

ختم الشيخ بعد ذلك القرآن تصحيحا على جماعة من المقرئين فكان ينتقل من دشار إلى دشار عملا بما يسمى عند طلبة القرآن في المغرب : بالتخنيشة، وهي ملازمة المساجد النائية عن محل سكنى العائلة للإستزادة من قراءة القرآن الكريم وختمه حفظا على الطريقة المغربية ختمات متوالية، وهي – أي التخنيشة - لا تبدأ اصطلاحا إلا بعد الختمة القرآنية الأولى .
فزار شيخنا دار الخيل في بني عروس وتتلمذ على المقرئ الفاضل عبد السلام الخنوس الذي لا يزال على قيد الحياة في مدينة طنجة في سن تزيد على المائة سنة، و"خنش" بدشار لهرا في سبت بني جرفط على فقيه يقال له الأعرج، وفي الأخماس السفلية بدشار أمغري على الفقيه عبد السلام الغزاوي، وقرأ بالغربية بمدشر أولاد عبو على فقيه يدري، وفي بني حسان بدشار عزاوز على الفقيه بنعزوز الحمزاوي .
فبلغت عدد ختمات حفظه للقرآن الكريم حوالي سبعة إلى ثمانية ختمات مباركات .
كما أنه حفظه الله خنش في وقت لاحق بأولاد زيان قرب جبل حبيب قريبا من الفحص مدة ستة أشهر ختم فيها ختمة واحدة من القرآن الكريم .

ويلاحظ أن مؤشر التخنيشة في المغرب بدأ في عده التنازلي بعدما قل الدعم المادي لطلبة القرآن من طرف طبقات الشعب المختلفة من جهة، ومن طرف مؤسسات الدولة المكلفة بهذا الجانب من جهة أخرى .
فهل سمعنا مثلا في دور الإذاعة والتلفزة تكريما لفقيه قرآني كالفقيه المعمر سيدي المفضل الزياتي الذي قال عنه الدكتور عبد العزيز العيادي :
سيدي المفضل – شافاه الله وأمد في عمره – بمثابة حاسوب يزودك بمعلومات عن كلمة قرآنية قبل أن يرتد إليك طرفك بمجرد الضغط على الزر . وهو ما زال على ذلك إلى الآن رغم شيخوخته ووهن عظمه ولزوم بيته في عزلة قاتمة ووحشة قاحلة .
وإن ذكرت هذه المعلمة في كتاب من كتب الباحثين المعاصرين فستظل في ركن الإهمال والتهميش ما دامت ظاهرة هجران القرآن الكريم وحملته السمة الغالبة على أهل هذا الوقت المفتون .
-- شيخنا ينجو من السيل بأعجوبة --
ولما كان مقيما بالأخماس تأخر مرة في الذهاب لعارض مطر غزير دام نحو شهر فلما صحا الجو خرج ماشيا على قدميه حتى وصل إلى ضواحي زاوية بني تليد فوجد هناك واديا عظيما وسائلا عارما نتيجة أمطار كانت قد نزلتمع ثلوج متراكمة فحاول عبور النهر على تلك الحال فما إن دخله حتى غاب فيه إلى صدره وتوسطه وكاد السيل أن يأخذه .. فتلطف في رجوعه على أعقابه فأنجاه الله تعالى من الغرق بعد أن عاين الهلاك .
-- الأيام العصيبة --
ولا يفوتنا التنبيه إلى أن هذه الأيام الأولى من حياة الشيخ كانت صعبة للغاية، عانى فيها تعذيب المقرئين من ضرب بقضيب الرمان فيما يسمى بين الأوساط الطلابية بالتحميلة إلى المد والضرب على الظهر لمجرد ارتكاب أخطاء بسيطة شأن كل صبي غير مكلف .
ولما كان شيخنا يحفظ القرآن الكريم في مدينة طنجة كان كثيرا ما يهرب من الكتاب بسبب الضرب المتكرر والقاسي الذي لحقه من المدررين .. حتى إنه ترك الكتاب ثلاثة أشهر عازما ألا يرجع إليه أبدا .
ولقد سامح شيخنا كل مقرئ انهال عليه بالضرب بغير حق أو بدون أي موجب شرعي .. يكفي أنه أخذ عنهم القرآن الكريم وحفظه من صدورهم رحمهم الله جميعا .. .
فمثلهم كما قال لي الشيخ جزاه الله خيرا مثل الوالد مع ولده، وإن ضربه وأهانه فالمحبة بينهما ثابتة قائمة .
ومن هذا الباب ما رآه شيخنا حفظه الله في المنام في أوائل شهر المولد النبوي من سنة 1383 هجرية كأنه في الحجاز يريد زيارة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم :
وبعد قليل أقبل علينا عليه الصلاة والسلام ودنا مني فحصل لي منه حياء وخشوع، وظهر على هيأة بعض أشياخي الذين حفظت عليهم القرآن هـ .
فمن هذه الرؤيا تتضح لنا جلالة قدر مشايخنا في القرآن رضوان الله عليهم، إلا أنهم عموما بشر مخطئون لا محالة .
ولكن الحق أحق أن يقال، إذ ما يفعله بعض المقرئين مع تلامذتهم مشين بالمدارس الإسلامية ومشوه لطلعة ديننا الحنيف وليس من منهاج النبوة في شيء .
ويقول ابن خلدون رحمه الله في آثار مثل هذا التعامل السيء مع الطلبة :
من كان مرباه بالعسف والقهر من المتعلمين أو المماليك أو الخدم سطا به القهر وضيق عن النفس في انبساطها وذهب بنشاطها ودعاه إلى الكسل وحمل على الكذب والخبث وهو التظاهر بغير ما في ضميره خوفا من انبساط الأيدي بالقهر عليه، وعلمه المكر والخديعة لذلك، وصارت له هذه عادة وخلقا وفسدت معاني الإنسانية التي له من حيث الاجتماع والتمرن وهي الحمية والمدافعة عن نفسه ومنزله وصار عيالا على غيره في ذلك، بل وكسلت النفس عن اكتساب الفضائل والخلق الجميل فانقبضت عن غايتها ومدى إنسانيتها هـ .
-- عادات حسنة وأخرى سيئة --
ومن العادات الجاري بها العمل في تحفيظ القرآن الكريم أن أهل الطالب يخصصون للفقيه مالا أو كسوة وطعاما جزاء صبره ومباشرته لتحفيظ القرآن لابنهم، ذلك أن المدرر ينقطع عن أي عمل آخر غير تحفيظ كتاب الله تعالى للناشئة شاغلا كل جهده وجل وقته في ذلك .
فالأجرة التي يتقاضاها الفقيه يقوم بتأديتها في الغالب كل أهالي المنطقة التي يأتي منها أبناؤهم إلى كتابه .
والغريب في الأمر أنك ترى الفقيه الصبور يحمد الله تعالى على النعمة وإن قلت، ويشكره سبحانه على ما قيض له من فرصة اغتنام أجر تحفيظ أعظم كتاب إلهي للبشرية .
إلا أنه في بعض الحالات يصطدم الناس بتعاملهم مع فقيه وصولي يستغل خيراتهم دون أن يقوم بواجبه وما تكلف والتزم به، فتراه يطلب فوق الجهد والمستطاع ويكلف الناس ما لا يطيقونه من هدايا وأعطيات .
وهو ما حصل لشيخنا أثناء " تخنيشته " بالبادية، ذلك أن أحد المقرئين أمره أن يأتيه بخوان للطعام من طنجة وكان الشيخ يتردد إليها لزيارة والديه وذويه فاعتذر سيدي عبد الله لشيخه بعدم القدرة على الوفاء بمثل هذا المطلب المكلف .. وبعد عودته من زيارة العائلة دون أن يحمل معه الخوان المطلوب، طرده المقرئ من كتابه وحضرته .
-- السؤال أيام المجاعة --
ويجد الطالب نفسه مجبرا إن هو طلب حفظ القرآن الكريم في مدشر غير مدشره أن يمد يده للسؤال خصوصا إذا كان الفقر قد استفحل في الناس وأمسى الطعام بينهم عزيزا .
فإذا كان أهالي المنطقة على وعي تام بضرورة مساعدة حملة كتابهم المقدس فإنهم سيتسابقون إلى الخير ويتنافسون فيه إكراما لمن حفظ لهم القرآن الكريم عن الضياع والتلف .
لكن الناس في ذلك متفاوتون، بل ومنهم من يحرم بركة القرآن فلا يوفق لهذا العمل الجليل رغم ما أوتيه من مال كثير .. ويحكي شيخنا حفظه الله عن مثال عايشه في البخل والبخلاء حينما كان يصحح القرآن الكريم في أحد المداشر .
فبينما هو يسير ليلا، قد أخذ الجوع بمجامع بطنه، إذا هو ببستان لأحد الأثرياء يغص بأشجار التين، فعمد شيخنا إلى واحدة منها فأكل منها وأخذ لأصحابه من الطلبة الجياع أيضا، لكن لسوء الحظ رآه صاحب البستان الذي على التو عدا ليقتله ففر منه شيخنا واختفى، محتميا بأستاذه الذي نافح عنه وبين عذره لصاحب الشجرة البخيل .
إلا أن الفلاح الغليظ أقام الدنيا وأقعدها وأقسم إن لم يطرد شيخنا من قريتهم ليشعلنها نارا في أهالي القرية، فما كان إلا أن خرج سيدي عبد الله منها فارا من قساوة الحياة وفظاظة أهلها .

 

 

التوقيع :
http://ar.netlog.com/abdoalbouzaydi/guestbook
هذا الذي تعرف البطحاء وطأته ... و البيت يعرفه و الحل و الحرم

هذا ابن خير عباد الله كلهم....... ... هذا التقى النقي الطاهر العلم
رد مع اقتباس
 

  #3  
قديم 12-12-2012, 05:20 AM
عبد الخالق البوزيدي عبد الخالق البوزيدي غير متواجد حالياً
كاتب نشيط
 




افتراضي رد: أبو الفتوح عبد الله التليدي

-- تقلب في حرف ومهن مختلفة --

ثم انقطع شيخنا عن القراءة وتقلب في عدة حرف ومهن وصناعات فكان خبازا ونجارا وصيادا في البحر وحطابا للأعواد ومساعدا للبناء وخياطا للخفاف والطرابيش والأقمصة الشتوية، بالإضافة إلى رعاية المعز والبقر في حال صغره، وذلك في الفترة ما بين عشر سنوات إلى عشرين سنة من عمره .
ومرت عليه حفظه الله ظروف قاسية مدة ستة سنوات أيام الحرب العالمية الثانية إذ تزامنت مع المجاعة الثانية التي أصابت المغرب آنذاك والفقر المدقع وعدم القدرة على الفلاحة .. وأصيب ببلايا ومحن حتى إنه كان لا يأكل إلا أيارنا أو البقول لوحده يكتف به عن الطعام المفقود .
بل إن شيخنا حفظه الله كثيرا ما يحكي عن رحلاته وتنقلاته على الأقدام من قبيلة إلى أخرى ومن مدشر إلى آخر فيبقى في الرحلة الواحدة يوما أو يومين بدون مأكل أو مأوى، أو في مهرب من اللصوص وقطاع الطرق .
حتى إنه مرة وقع في يد لصين مسلحين أرادا أن يسلباه جلابته الوحيدة التي كان يملكها فتأخر شيخنا كأنه يريد انتزاع جلابته ثم فر في سرعة جنونية وبدون توقف حتى نجا من متابعتهما له .
فمن كان يظن أن الشاب التليدي في ظل هذه الظروف العصيبة سيصبح فيما بعد من أجل العلماء في وقتنا الحاضر ؟! فسبحان الله القادر ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم .

-- اتصاله المبكر بالصالحين والأولياء --

وأثناء دراسته وتخنيشته بالمداشر في سنة 1944 بتاريخ النصارى أراد شيخنا حفظه الله زيارة ضريح مولانا إدريس الأكبر رضي الله عنه مع صديق له في الطلب .
وقبل مرورهما بالخطوط من بني جرفط تذكرا وجود ولي صالح في هذا الدشار إسمه سيدي عبد السلام بن رحو رحمه الله فعزما زيارته مقدمين لذلك، وهما في الطريق إليه، قراءة سورة يس هدية منهما إليه .. وفور وصولهما إذا بالسيد عبد السلام يكاشفهما بالأمر قائلا : إن قراءة يس لا تكون عادة إلا للأموات وأنا ما زلت على قيد الحياة، فمن هذا الذي أخبركما بموتي ؟

ويلاحظ من خلال هذه القصة أن صلة شيخنا بالأولياء والصالحين كانت مبكرة للغاية.
ولقد ترجم شيخنا العارف بالله بن رحو في حياة الشيخ، إذ وقعت لسيدي أحمد مثل هذا الحادث، فقال : سيدي عبد السلام اليدري هو العارف الكبير الولي الشهير سيدي عبد السلام بن رحو اليدري الجرفطي، كان عابدا زاهدا ذا كشف وكرامات، زرته مرة وبشرني بأمر شاهدته بعد ذلك، وكان من عادته إذا مات أحد بقريته الخطوط قام يؤذن ليلا بمنزله فإذا سمعه الناس علموا أن بالقرية ميتا، وقد زاره مرة شيخنا سيدي أحمد بن الصديق، ولما كان بالطريق رأى والده في النوم يقول له : ما لك ولهذا فإنه رجل عظيم، وعندما قرب من منزله خطر في باله: أن هذا الرجل كبير السن فإذا توفي نرجو الله تعالى أن يتفضل علينا بوراثته، فلما دخل عليه جعل يقول :
أنا لا أموت الآن وسيدي عزرائيل لا يقبض روحي حتى يستأذنني ومن قال لك سأموت ؟ .
توفي سنة نيف وسبعين وثلاثمائة وألف ودفن بالخطوط هـ .

والأمر الذي بشر به سيدي بن رحو رضي الله عنه شيخنا هو أنه سيكون من العلماء .. فكان الأمر كذلك .
كما أن شيخنا حفظه الله استأذن سيدي بن رحو في الذهاب مع صديقه إلى فاس فقال لهما : سيرا على بركة الله، فمرا بسلام بين رجال الحدود دون مساءلة أو منع .
فلما بلغا سيدي اليمني ركبا قطارا إلى القصر الكبير ثم واصلا السير على الأقدام إلى المحطة الثانية غرباوة، وأثناء الطريق كانوا يظهرون للحراس الكوم التابعين للفرنسيين أنهم من أهل المنطقة فنجاهم الله ولم يلحقهم منهم أي أذى .. ومن غرباوة ركبا قطارا إلى بيتيجا من سيدي قاسم ثم أكملا السير راجلين إلى مولاي إدريس الأكبر بزرهون .

أصبح لشيخنا مع العارف بالله بن روحو رحمه الله صلة وصل روحانية قوية، فمرة رأى سيدي عبد الله كأنه مضطجع مع العارف سيدي عبد السلام بن رحو وهما يقرآن سورة يس فحكى هذه الرؤيا لشيخه سيدي أحمد بن الصديق الذي أجابه قائلا :
إنك ستسلك طريقته وحاله .

والمتأمل في سيرة شيخنا سيلمس هذه الخاصية التي سيجدها في ترجمة سيدي عبد السلام بن روحو رحمه الله، خاصية الكشف والفراسة القوية التي لا تخطئ إلا قليلا .
والذين عايشوا سيدي عبد الله قدس الله سره من تلاميذه وطلبته وفقرائه هم أقدر الناس على معاينة هذا الأمر ومشاهدته، فكم من مريد يحكي عن فن المكاشفات التليدية فإذا بنا أمام كراسة من الأوراق كلها تشهد بالمثال الواضح البين أن شيخنا حفظه الله ولي لله تعالى الولاية الخاصة .

فمرة حصل لبعض طلبة الشيخ ضيق ونوع تسخط مما هو فيه من الفقر والغربة فبلغ به الأمر مبلغا خطيرا كاد أن ينحرف بسببه، فلما حضر للدرس أخذ شيخنا يتكلم عن حالته ويصفها بالتدقيق ويمدح الصبر وأهله فما أن أكمل كلامه حتى انقشع ما كان في صدر ذلك الطالب المسكين وانشرحت نفسه كأنما نشطت من عقال .

ومرة حصل لبعض الطلبة توقان إلى الزواج ولم يكن يستطيع الباءة فأخذه من ذلك هم كبير وحزن شديد فصلى مع شيخنا حفظه الله الذي ما إن فرغ من الصلاة حتى أخذ يتحدث عن الزواج ويقول : إن العارف الذي يفتح عليه قبل الزواج يكون أرقى مقاما وأكثر معرفة بالله تعالى ممن يفتح عليه وهو متزوج، وردد بيتين لأحد العارفين بالله هو سيدي أحمد شتوان رضي الله عنه يقول فيها :
مضى الزمان وهذا حتما آخره ففر بدينك من الدنيا واعتزل
لا تشتر بلدا لا تشته ولــدا فمت عازبا إن كنت تسمع لي
وكثير من طلبته يحكي أنه كلما اختلج في نفسه كثير من الكلام يستحي أن يعرضه على الشيخ إذا التقى به، يجيبه شيخنا حفظه الله على التو عن كل ذلك قبل أن يسأل .

وحصل لأحد الطلبة، وهو الطالب الفقيه سيدي محمد أحناش، وحشة وتذكر أهله ومشتهيات والدته ومنها الحريرة المغربية اللذيذة فإذا بطارق يطرق باب محل نومه بالمدرسة التليدية، وإذا بالشيخ سيدي عبد الله يحمل له آنية مغطاة فلما كشف الطالب المسكين عن الغطاء وجدها حريرة ساخنة .
والأمثلة على ذلك كثيرة ومتنوعة، بل إن أمر الكشف والمكاشفة والفراسة القوية قد ورثه من شيخنا حفظه الله العديد من تلاميذه وفقرائه في حياته . ولله الحمد والمنة .

-- أولياء ومجاذيب تعرف عليهم شيخنا حفظه الله --

ولا بأس من ذكر بعض من التقى بهم شيخنا طيلة حياته من الأولياء المجاذيب المغمورين : فمنهم العارف المجذوب مولاي أحمد الجرفطي، والشريف العارف ذو الأحوال والكرامات سيدي محمد الناصري نزيل أنجرة، والعارف مولاي أحمد الطرداني ، والشريف سيدي الغالي بن عجيبة الطنجي، وسيدي الحاج ميمون القلعي، وسيدي سليمان المدغري الزغنغاني، وسيدي الحاج الحبيب السوسي التانلتي، وسيدي الحاج المكي بن كيران، وسيدي ميلود السوسي، وسيدي محجوب الغماري، وسيدي الزين بن عبد الصمد السعيدي، وسيدي مبارك التجكاني، وسيدي عبد القادر البرنوصي، وسيدي عبد العزيز عيون السود السوري، وسيدي الرحمن الشاغوري الدمشقي، وسيدي محمد زكرياء الكندهلوي، وسيدي البخاري المديني، والولي المجذوب سيدي محمد البقالي الهسكوري، والعارفة المتصرفة للا عائشة البقالية الهسكورية، والعارفة المجذوبة للا منانة السحلية، والعارفة المجذوبة للا رحمة بوعشرين، والعارف الرباني مولاي أحمد أبوزيد ، والعارف المجذوب سيدي محمد الرفاعي الصحراوي في آخرين، والعارف الملامتي المجذوب مولاي أحمد الخمسي الذي شرفني الله بملاقاته والاستفادة منه رضي الله تعالى عنه، وهو الآن مقدم زاويتنا التليدية بمرشان.

فلقاء هؤلاء مهم خصوصا لمن يقرأ القرآن وكان مبتدئا في طلبه للعلوم لما لهم من بصيرة وكشف تتأكد لنا به حقيقة أمور كانت مشكلة أو غامضة .. فإن كان الإنسان لا يندم إن هو استشار مطلقا فكيف بمن كان محاطا بتنبيهات وإشارات أمثال هؤلاء الأولياء المباركين .

ومن هؤلاء الأولياء من بشر شيخنا بأمور عظيمة كللا منانة السحلية التي قالت له : إن الأمانة عندك وإنك الأعلى وإن أعداءك كلهم سيهلكهم الله .

قال شيخنا حفظه الله : وهي التي أخبرتنا عما سيحصل من أعدائنا حينما أسسنا الزاوية بمرشان، وقالت لنا : زيدوا على عملكم ولا يهمنكم أمر فإن سراجكم قد أوقده أهل الله تعالى .. .

أما مولاي أحمد بوزيد رحمه الله فيعد هذا الولي الرباني من مشايخ شيخنا الأجلاء الذين عرفهم وانتفع بعلومهم، وهو السيد أحمد بن محمد بوزيد الشريف الحسني العلامة الفقيه الفرضي الفلكي المؤرخ الأنجري . ولد بعين الحمراء بأنجرة وبها حفظ القرآن الكريم وطلب العلم بالقبيلة ثم شد الرحلة لفاس فالتحق بمعهد القرويين فقرأ على كبار علماء وقته وشيوخه . وبلغ في الفقه المالكي من الاطلاع والتحقيق ما لم يصل إليه غيره من أهل عصره ولما رجع إلى قبيلته اشتغل بالتدريس فانتفع به أقوام . ولي قضاء القبيلة مدة ثم تركه وأقبل على الله وعبادته وزهد في الحياة وكان من غرائب الزمان علما وفضلا وورعا . له مؤلفات في التوقيت وتقاييد مفيدة . من شيوخه السيد محمد بن جعفر الكتاني والسيد محمد بن الصديق الغماري والسيد محمد بن عبد الكبير الكتاني الشهيد في آخرين . وله تلامذة كثيرة أكثرهم صالحون . وقد رآه شيخنا مرة في المنام أيام حياته فقال له : إنك من أصحاب الإمام المهدي، فلما قصها عليه قال له : وهو كذلك إن شاء الله تعالى .. توفي صباح السبت 3 رجب عام 1382 هجرية بمدشر عين حمرا من قبيلة أنجرة بإقليم طنجة وبهذا المدشر المبارك دفن رحمه الله .

وأما مولاي أحمد الطرداني فهو شريف علمي صاحب كرامات وخوارق وتصريفات، توفي بقرية الخلوة من الغربية في عشر ذي الحجة سنة ثمان وسبعين وثلاثمائة وألف.

وأما مقدم زاويتنا التليدية فهو الهائم في الله الشريف مولاي أحمد بن العياشي بن عمر الخمسي مولدا ونشأة الشاوني تربية وترقية الطنجي مسكنا وقرارا .. بعمامته "الشرقاوية" وجلبابه الشفشاوني يقف الشيخ المسن مولاي أحمد الخمسي أمام منزل من منازل حي مرشان ليشتري منه أصحابه سريرا باليا أو أثاثا قديما أو متاعا من أمتعة البيت العتيقة .. بلهجة الأخماس الأصيلة بلد الإمام الشاذلي رحمه الله يحرر مولاي أحمد الخمسي البيع على طريقته من التنكيت على البائع إلى إسداء النصح له مرورا بسرد أصناف من القصص والروايات حول أولياء صالحين وعلماء مشهورين يلتقط من خلالها الداعية المتستر وراء هزله ومزاحه صورا من العبر الراقية والعظات النافعة لسلوك الإنسان وأخلاقه .. أما من أوتي الفهم من طلبة العلم وحملة القرآن فسيلمس تحقيقا هنا وهناك حول مسائل فقهية مستعصية أو قضايا تربوية شائكة .. واعتبارا بمقاييس الصوفية الأبرار فإن الشيخ المرقي سيدي مولاي أحمد الخمسي يعد من أصحاب الملامتية وهم فئة من الأولياء والعارفين بالله يسترهم الله وراء مظاهر من الحياة العادية وأشكال من اللباس والكلام والتصرفات تحجب الناس عن أن ينظروا إليهم نظر تعظيم وتوقير .. بدأ مولاي أحمد مهمته كمقدم للزاوية والمدرسة التليدية منذ أزيد من عشرين سنة وظل وفيا في خدمة هذا الركن المبارك من أركان مدينة طنجة حتى صار في هذه الأيام الأخيرة مشهودا له بسر الترقية ومصارعة الجن والعفاريت .. من المشايخ الذين التقى بهم وانتفع بصحبتهم في صغره سيدي أحمد الجلال وسيدي الحاج العياشي بن ميمون .. هذا الأخير قد رآه مؤخرا مولاي أحمد الخمسي في المنام وأخبره بما أشتغل فيه سرا من جمع أخبار الصالحين الذين عرفهم شيخنا سيدي عبد الله أو مريده مولاي أحمد الخمسي وقال له : إن ما يفعله الحسين طيب وحسن، وهي بشارة مهمة بالنسبة إلي بعدما لاقيت صعوبات كثيرة في جمع مواد هذا الإرث الرباني الخالد . سن مولاي أحمد الخمسي اليوم قد تجاوز الستين بارك الله لنا وله في عمره .

-- بداية طلبه للعلم --

ثم هداه الله تعالى للاشتغال بالعلم فشرع في طلبه وقد ناهز العشرين من عمره في دشار مجازلين بالقرب من ضريح سيدي أبي حرمة أحد أحفاد العارف الواصل مولاي عبد السلام بن مشيش رحمهما الله .
فالتحق هناك بالفقيه سيدي بن عايشة رحمه الله وهو أول عالم يدرس عليه الشيخ بعد حفظه للقرآن الكريم فكان يدرس عليه متن ابن عاشر في الفقه ومتني الأجرومية والألفية في النحو مع حفظ هذه المتون على اللوح .
لكن شاءت الأقدار الإلهية أن يغادر شيخنا هذه المدرسة دون إتمام ما بدأه مع سيدي بن عايشة رحمه الله من دروس بسبب تهمة خطيرة نسبت إليه وهو منها براء براءة الذئب من دم يوسف : تهمة التآمر والسرقة أعاذنا الله .
فبينما الشيخ يصلي في المسجد إذا بأحد زملائه ينادي عليه أن : أدرك محل نومك فقد وجدته مفتوحا، ذهب الشيخ إلى بيته المشترك بينه وبين طلابين أخرين ليجد الباب مفتوحا وكتابه الذي به نقوده مسروقا بالإضافة إلى بعض أمتعة الطلابين .
ذاع الخبر في الدشار ليعقد الفقيه سيدي بن عايشة مجلسا للمحاكمة اتهم فيه الشاب التليدي بالتآمر مع أحد أصدقائه لسرقة المحل بما فيها نقوده حتى لا يحاط بالشك والريبة !
خرج الشاب التليدي من دشار مجازلين بعد التهديد والوعيد مطرودا في ليل مظلم، مقتحما غابة كثيفة تصل إلى دشار بني جرفط، ليجد الخير بعد هذه التجربة الخطيرة في مدينة طنجة التي عاشت فترة غنية بالفقهاء والمدرسين والعلماء والمربين .

ورغم ما حدث للطالب التليدي الشاب من هم وغم بسبب هذه الحادثة المثبطة فإن عزمه لم يقل عما كان عليه بل زاد تشوقه للطلب والاستزادة منه عاما بعد عام .
وفي سنة 1947 بتاريخ النصارى التحق سيدي عبد الله بالمعهد الديني بالمسجد الأعظم في طنجة الذي كان يديره العلامة سيدي عبد الله كنون مع ثلة من خيرة علماء تلك الفترة كالفقيه سيدي عبد الحفيظ كنون والفقيه سيدي محمد الساحلي الوسيني والشيخ سيدي عبد السلام أبراغ والفقيه سيدي عبد الله بن عبد الصادق التمسماني والفقيه سيدي الحسن اللمتوني في غيرهم ممن كانت تفتخر بهم عروسة الشمال المغربي .

كان هذا المعهد يتكون من مستويين: ابتدائي وثانوي، يدرس الطالب في المرحلة الابتدائية الأجرومية وابن عاشر والحساب – الجمع والضرب – والأدب والتاريخ ولامية ابن الوردي والشمقماقية لعبد الله كنون والجغرافية .

إلا أن السمة السيئة التي ميزت هذه الفترة هي التعصب للمذهب المالكي من طرف كثير من الفقهاء، حتى إن شيوخ الطرق الصوفية، لقوة تيار التقليد، ألغى أكثرهم أسا عظيما من أسس التربية وهو التزام السنة النبوية الصحيحة دون رأي الرجال، كما سطره الإمام الجنيد رضي الله عنه حين قال :
من لم يحفظ القرآن، ولم يكتب الحديث لا يقتدى به في هذا الأمر لأن علمنا هذا مقيد بالكتاب والسنة هـ . وقال أيضا : الطرق كلها مسدودة على الخلق إلا على من اقتفى أثر الرسول عليه الصلاة والسلام هـ .

ويحكي شيخنا في نصب الموائد عن هذه الظاهرة فيقول :
كان لي شيخ من كبار علماء طنجة وأعيانها والمنتسبين إلى البيت النبوي الشريف قرأت عليه مبادئ العلوم من نحو وفقه وتوحيد وحديث وكان يشارك في الحديث ويعتني بحفظه وخاصة الصحيحين، غير أنه كان متعصبا لمذهب مالك رحمه الله تعصبا مزريا فكان يرى من خرج عن المذهب وعمل بمقتضى الحديث والسنة مبتدعا ضالا من الخوارج والمنافقين، وسمعته مرارا في دروسه يطعن في من يضع اليد اليمنى على اليسرى في الصلاة وينسب فاعل هذا إلى النفاق ويستدل بالآية : ( ويقبضون أيديهم نسوا الله فنسيهم إن المنافقين هم الفاسقون )
فانظر رعاك الله إلى هذا الفهم السقيم للآية والتلاعب بكتاب الله، وتعجب من التقليد الذي يعمي ويصم ويوقع صاحبه في المهالك . سامحه الله هـ .

ومن ثم كانت أكثر المصنفات تدريسا في تلك الفترة وقبلها : مختصر خليل بالخرشي أو الزرقاني أو بناني أو الدردير أو الرهوني، ومتن ابن عاشر المرشد المعين بميارة الصغير أو الكبير، ورسالة ابن أبي زيد القيرواني بشرح زروق .. ، بالإضافة إلى طالع الأماني وغيرها من كتب المالكية، فكان يختمها الواحد من الطلبة على شيخ من شيوخه مرات عديدة، وقليلا ما كان يدرس فقه الحديث بالكتب المصنفة فيه كسبل السلام شرح بلوغ المرام من جمع أدلة الأحكام ونيل الأوطار شرح منتقى الأخبار وإحكام الأحكام شرح عمدة الأحكام بل لم يكن على علم بها الطلبة المبتدئين ولا حتى بعض الفقهاء المدرسين .. .
حتى إن أحد شيوخ شيخنا وهو الفقيه بن عمر رحمه الله كان يحفظ مختصر خليل بشروحه حفظا منقطع النظير .. لكأن شاشة معلوماتية في الفقه المالكي أمامه .. .

وفي هذه الفترة اشترى شيخنا حفظه أول كتاب حديثي هو شرح الإمام النووي لصحيح مسلم فأخذ في قراءته فإذا به يقف على أمور يخالف فيها المالكية قول الرسول صلى الله عليه وآله وسلم فسأل أحد مشايخه عن هذه المخالفة وما سببها فأجابه بأن يترك جانبا كتب الحديث ويقتصر في طلبه للفقه على الفقه المالكي الذي "صفاه علماؤنا من كل شائبة خطأ أو نقص" في زعم هذا العالم .

وتكررت الحيرة مرة ثانية حين قرأ شيخنا كتاب زاد المعاد في هدي خير العباد فذهب ثانية إلى أحد مشايخه الذي أجابه قائلا : إن صاحب الكتاب حنبلي ونحن مالكية، وأخذ في مدح المذهب المالكي ورجالاته وفقهائه وأنه لا يجوز للمغاربة أن يعملوا بغير ما ذهب إليه مالك بن أنس رحمه الله .

لكن المؤسف للغاية أن علماء هذه الفترة قد حرموا أنفسهم من علامة وقتهم والحافظ الأوحد في زمانهم سيدي أحمد بن الصديق رحمه الله بل شنوا حربا لا هوادة فيها عليه معتبرين إياه ملحدا إذ دعا إلى العمل بالسنة والدليل دون رأي الرجال .
ولا يخفي شيخنا حفظه الله تأثره في تلك الفترة بالتقليد والتعصب للمذهب المالكي وإن كان ذلك سرعان ما ينقشع ضبابه إذا طالع المرء كتب الفقه المقارن والحديث .

لكن، إن كان التقليد هو داء تلك الحقبة من الزمن فلن يكون ضرره أكثر من ضرر التكفير الطافح في عصرنا على سطح المكتوبات والمسموعات، والمخرج لأقوام من المسلمين من الملة لأسباب غير داعية إلى ذلك .. بل أين ذلك الجو الروحي الرفيع الذي انساب فيه طلبة العلم في ذلك الوقت من جو القذارة الأخلاقية التي نعيشها اليوم .
ثم إن التراث المغربي في الفقه المالكي يكاد ينعدم حملته في هذه الأيام من ساحة العلم والطلب، ويضاف إلى ذلك علوم العربية والأصول، بعدما انساق التعليم النظامي الحالي وراء منهج الغرب في الأخذ والتلقين وصارت المدارس المغربية متفرنجة قلبا وقالبا .
فأين نحن من مصنفات اللغة العربية ومتونها النفيسة كألفية ابن مالك بشرح ابن عقيل أو المكودي أو ابن هشام بله الكافية لابن مالك، والآجرومية بالأزهري أو الأشموني، ومغني اللبيب لابن هشام .. وكلها في فن النحو، ولامية الأفعال ببحرق الصغير في فن الصرف، والجوهر المكنون، والتلخيص بالقزويني أو بمختصر السعد في علم البلاغة، والخزرجية في العروض، والسلم بالقويسني في المنطق، ومفتاح الوصول وجمع الجوامع في الأصول .. إلى غيرها من مصنفات علوم الآلة .
وهذا من الأسباب التي جعلتني أذكر بعض الكتب التي درسها شيوخ شيخنا على شيوخهم ليعتبر القارئ لهذه السيرة بحال من سبقونا بإيمان، ويتبين ما آلت إليه العلوم الإسلامية اليوم من ضعف وقلة متفاقمين .
بقي شيخنا ملازما لمقررات المعهد الديني في الجامع الكبير مدة سنة واحدة فقط، ليختار بعد ذلك الدروس التي تناسب مستواه دون التزام بالتدرج النظامي البطيء .
فإذا كان النظام التعليمي في المدارس مساعدا للطلبة في تحصيلهم لبعض العلوم وتهيئتهم منهجيا للتعامل مع النص قراءة وكتابة التعامل الجاد والمثمر فإن إيقاع هذا التعليم قد يكون في بعض الحالات الخاصة مثبطا لعزائم سريعي الحفظ والفهم من أهل الجد والنشاط .
كما أن النقص في التحصيل والبتر في التكوين هي السمة الغالبة على التعليم النظامي الفاشل .

ومما يحمد من تاريخ تلك الفترة أن العلماء كانوا في مجموعهم يساندون التصوف ويحثون طلبتهم على قراءة كتب الرقائق والزهديات التماسا للحكم والمواعظ .
وما زال يتذكر الشيخ حفظه الله أول كتاب في الرقائق اقتناه من الكتبي المشهور بالأشهب رحمه الله : كتاب تنبيه الغافلين للإمام أبي الليث السمرقندي الذي صار أنيسه الدائم أثناء الطلب، فختمه مرات عديدة مستفيدا منه تلك الومضات القلبية وإن كان خليطا من غث الآثار وصحيحها .
يقول شيخنا سيدي عبد الله عن هذا الكتاب وعن كتب الرقائق عموما :
وقراءة الكتب الوعظية وأبواب الرقائق من كتب الحديث وغيرها لها تأثير ملموس في تنوير القلوب وتهذيب النفوس وتزكية الأخلاق وحب الآخرة والعمل لها، وكاتب هذه الحروف ممن جرب هذا ولمسه، فإنني لما أنهيت قراءة القرآن الكريم وهداني الله تعالى لطلب العلم وقد ناهزت العشرين من عمري وقع بيدي كتاب تنبيه الغافلين لأبي الليث السمرقندي فجعلته أنيس وحدتي وشغفت بقراءته فتأثرت به كثيرا وتغيرت أحوالي ورأيت فيه ما لم أكن أعلمه – لأني لم أكن آنذاك قد طلبت العلم ولأني كغيري نشأت في وسط جاهل عمته الفتن من طرف الاستعمار – فلما من الله علي بطلب العلم واقتنيت الكتاب المذكور صادف الوعاء فارغا والقلب على الفطرة لم يتدنس بعد بشيء فكان النفع به عظيما . والكتاب وإن كان مزيجا من الأحاديث والآثار الصحيحة والموضوعة فهذا لا يمنع من الاستفادة منه والانتفاع به .. فعليك يا أخي به وبغيره من كتب الرقائق والزهديات تر ما رأيته .. وقد أكرمني الله بسبب قراءته وقراءة كتب أخرى أوسع فحفظني من طيش الشباب وتأثرت بسير الصالحين والزهاد والعباد والأولياء فكنت دائم التطلع إلى مراتبهم وكثير التعلق بأحوالهم وأخلاقهم هـ .

وفي هذه السنة بالذات رأى النبي صلى الله عليه وآله وسلم في المنام في أولى مبشراته العظيمة التي حكاها بنفسه في كتابه " المبشرات التليدية " .
كان ذلك بعد متابعته لدرس في النحو على الشيخ العالم الفقيه سيدي الحسن اللمتوني رحمه الله في الجامع الكبير ما بين الساعة العاشرة إلى الحادية عشر من الصباح . وكان من عادة الشيخ النوم بعد هذا الدرس لقلة ساعات النوم بالليل في ركن من هذا المسجد التاريخي .
قال حفظه الله : رأيت سنة سبع وستين وثلاثمائة وألف كأنني بالمسجد الأعظم من طنجة فقيل لي : هذا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم جالس، فقصدته فوجدته جالسا على صفة عالم عليه جلابة بيضاء وبرنس وعمامة ولحية سوداء، فقبلت يده الشريفة فقال لي :
قم لتجمع الزكاة، فذهبت وجعلت أجمع القروش في حجري فأتيته بها فقال لي : زكها، فقلت له : وكيف ذلك، فقال لي : ألست تزكي القرآن وأنك تقرأ منه حزبا صباحا ومثله مساءا، فقلت : بلى، فقال : وكذلك هذه، ثم قلت في نفسي : الحمد لله الذي أتاني به لآخذ عنه العلم وأدرس عليه .
فاستيقظت فرحا والدموع تسيل على خدودي، فكانت فيها إشارة إلى أخذي العلم من سنته صلى الله عليه وآله وسلم وعملي بذلك لأن العمل هو زكاة الشريعة هـ .
إنها بشارة عظيمة تنم عن مستوى من السلوك والتربية كبيرين في بداية الشيخ العلمية.
فهل كان في هذه الفترة على صلة بإحدى الطرق الصوفية الموجودة بمدينة طنجة ؟

إن الحركة العلمية في هذه الفترة، كما مر بنا، لم تكن منابذة للتصوف أو مقاطعة له بل على العكس من ذلك كانت مساهمة فيه ومساندة له .
كما أن مقلدة شيخ الاسلام ابن تيمية رحمه الله لم يكونوا بالكثرة التي نقاسي منها اليوم وكانت حركتهم تعمل في خفاء وتستر وتقية .
كان الشيخ حفظه الله من الطلبة الأحرار الآخذين من التصوف جوهره ولبه فكان يكثر من الصلاة على الحبيب المصطفى سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم بكتاب دلائل الخيرات للإمام محمد بن سليمان الجزولي رضي الله عنه .
كان هذا الكتاب النير هو ورده اليومي بعد أحزاب من القرآن الكريم .
إنها الصلاة والسلام على سيد المرسلين التي تقلب الأحوال وتغير النفوس إلى مقام عظيم في المحبة والاستقامة .
قال شيخنا في نصب الموائد :
ومن أسباب محبة الرسول : الإكثار من النظر في سيرته وحياته وأيامه وشمائله وفضائله ومعجزاته والإكثار من الصلاة والسلام عليه مع استحضار شخصه الشريف وصورته الطاهرة .. ومن أقوى هذه الأسباب أيضا قراءة حديثه الشريف والاشتغال به على الدوام، فكل ذلك مما يوجب محبته صلى الله عليه وآله وسلم وينميها هـ .

كان الشيخ مع ثلة من الطلبة يجتمعون في محل بحي الدرادب لقراءة دلائل الخيرات والبردة جماعة، وإن لم يكن لهم شيخ بالمفهوم التربوي، وكان يحضر معهم هذا الجمع المبارك الفقيه عبد السلام الخنوس والفقيه أحمد الغيلاني رحمهما الله .
فاتقوا الله يا من أخرتم طلبة اليوم عن الصلاة والسلام على سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم بانتقادكم الباطل لدلائل الخيرات ومحاولتكم إبطال قراءته التي كانت وما زالت سنة مغربية محمودة، حتى سماه بعضهم الخبيث بدلائل الخيبات والعياذ بالله .
يقول شيخنا أبو الفتوح سيدي عبد الله في كتابه المطرب عند ترجمته لسيدي محمد بن سليمان الجزولي وذكره لكتابه هذا العظيم : والمقصود أن دلائل الخيرات قيم لا مثيل له في موضوعه، وكاتب هذه الحروف ممن شاهد ولمس بركته .. والكتاب بحمد الله تعالى ليس فيه ما يؤاخذ على مؤلفه إلا ما فيه من بعض أحاديث موضوعة أو التي لا أصل لها، وهذا مما لا يخلو منه كتاب لا يعرف صاحبه الحديث، .. أما ما انتقدوه عليه كقوله : وصل على سيدنا محمد عدد علمك، وقوله : عدد ما أحيط به علمك وأضعاف ذلك، وقوله : كنت حيث كنت، الخ فهي مؤولة ومحمولة على محامل حسنة كما يعرف من جواب أبي المحاسن سيدي يوسف الفاسي كما في ممتع الأسماع ومرآة المحاسن .. أما ما فيه من الاستشفاع برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم والتوسل به وندائه باسمه : يا سيدنا محمد، فالاعتراض على ذلك من وساوس الوهابية وترهاتهم الباطلة، وفي السنة المطهرة ولغة العرب ما يدل على ذلك كما يعرفه أهل العلم الصحيح، وكما هو مذكور في كتب الرد على الوهابية وأذنابهم هـ .
ثم قال حفظه الله :
وأنا أنصح كل مسلم بملازمة قراءة دلائل الخيرات، فإنه إن لازمه مع التفكر في عظمة الرسول الكريم والتحبب إليه فسوف يسعد إن شاء الله تعالى هـ .
كيف لا يسعد من شاهد طلعة الحبيب سيدنا محمد صلوات الله وسلامه عليه ..

أما المسجد الأعظم بمدينة طنجة فيسمى أيضا بالجامع الكبير، وهي التسمية المشهورة لهذا المسجد بين أبناء الـمـديـنة .. بني على عهد السلطان العالم سليمان وبأمر منه في سنة 1233، وكان بناؤه على أساس الكنيسة التي كانت هناك أيام الاحتلال الأجنبي وهي بدورها كانت مسجدا الذي يرجع تاريخ تأسيسه إلى ما بعد دخول الإسلام إلى مدينة طنجة وممن كان خطيبا في هذا المسجد التاريخي العلامة الحافظ المشهور بابن سيد الناس رحمه الله .. والجامع معلمة علمية فريدة من نوعها في مدينة طنجة خاصة وفي المغرب عامة .. ويقول في ذلك سيدي عبد الله كنون رحمه الله : مرت على المسجد الأعظم فترة كانت الدروس لا تنقطع فيه، وفي أيام طلبنا كانت تنعقد فيه أكثر من عشر حلقات يومية للفقه والنحو والبلاغة والحديث والكلام والمنطق والأصول، وكان لوالدنا رحمه الله دائما فيه فقط حلقتان يوميتان ولغيره من مشايخنا كأبي العباس أحمد السميحي والسيد عبد السلام غازي وغيرهما حلقات أيضا فضلا عما لهم في غيره .. هـ . من مجلة دعوة الحق .
ولا ننسى شيخ الطريقة الصديقية الذي شرف هذا المسجد بدروسه فيه هو وابنه سيدي أحمد رضي الله تعالى عنهما، ويحكي شيخنا سيدي عبد الله عن دروس الإملاء في الحديث النبوي للحافظ سيدي أحمد بن الصديق رحمه الله فيقول في حياة الشيخ : وقد كان يدرس صحيح مسلم وجامع الترمذي بالجامع الكبير بطنجة فكان يملي ثمانين حديثا بأسانيدها من حفظه بلا تلعثم ولا توقف ثم إذا فرغ منها يرجع فيبتدئ بالحديث الأول فيتكلم على تخريجه .. ثم ينتقل لرجال الحديث فيتكلم على تراجمهم واحدا إثر الآخر .. ثم ينتقل لغريب الحديث وألفاظه المشكلة وإعراب ما يجب أن يعرب منه ثم ينتقل إلى فقه الحديث ومعناه ومذاهب العلماء .. ثم يصحح ما هو الحق .. ثم ينتقل لفوائد الحديث وما يؤخذ منه هـ بتصرف.
-

 

 

التوقيع :
http://ar.netlog.com/abdoalbouzaydi/guestbook
هذا الذي تعرف البطحاء وطأته ... و البيت يعرفه و الحل و الحرم

هذا ابن خير عباد الله كلهم....... ... هذا التقى النقي الطاهر العلم
رد مع اقتباس
 

  #4  
قديم 12-12-2012, 05:22 AM
عبد الخالق البوزيدي عبد الخالق البوزيدي غير متواجد حالياً
كاتب نشيط
 




افتراضي رد: أبو الفتوح عبد الله التليدي

- التوجه السياسي لشيخنا حفظه في فترة شبابه --
وكما كان للشيخ توجه وميول روحي كان مهتما بالشأن العام وخصوصا بالاستعمار وآثاره .
ففي البداية خاصة بعدما طالع كتاب الجهاد أثناء دراسته على المشايخ في المعهد قرر بعدما شاهد الكفار والأجانب المستعمرين يعيثون في المغرب فسادا أن يهاجم تجمعا من تجمعاتهم فيقاتلهم حتى يقتل .. فأخذ سكينا طويلا كان من بقايا سلاح والده فذهب به لحداد وأمره أن يحده من طرفيه ثم شاور بعض مشايخه في ذلك فحذره مما يريده وذكر له عواقب ذلك وأنه سيعرض نفسه للتهلكة وربما بقي على قيد الحياة لينكل تنكيلا من قبل قوات الاحتلال، فتأخر عن هذا العزم والحماس الفائر .

وفي حي الدرادب حيث اجتماع الطلبة للصلاة على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم تعرف شيخنا حفظه الله على طالب مساري يعمل عضوا داخل حزب الوحدة المغربي الذي كان يرأسه الفقيه المكي الناصري رحمه الله، فتحمس الشيخ للعمل داخل هذا الحزب كجهاد سياسي ضد المستعمر الغاشم وأذنابه من الخونة .

تهيأت الظروف للقاء طلابي متميز في منزل أحد الوسينيين بحضور من الفقيه المكي الناصري فأسند إلى شيخنا الأمر بقراءة مقال سياسي أمام الطلبة بعد تلاوة القرآن ليأخذ الكلمة زعيم الحزب ممهدا لانضمام من تأخر عن الالتحاق بالوحدة المغربية كسبيل موصل لاستقلال المغرب وتحريره .. لم يفت الفقيه الناصري التنبيه على أهمية التصوف والإشادة بالمؤلفين فيه من رجالاته وشيوخه، كالإمام ابن عربي الحاتمي وكتابه الفتوحات المكية، وإن كان الفقيه السياسي ذا نزعة عقلانية في سلفيته ملموسة في كتاباته ومؤلفاته .. كل ذلك مراعاة سياسية لهيبة هذا العلم في نفوس الناس آنذاك .

كانت تلك هي بداية الشيخ السياسية التي لم تدم وقتا طويلا .. ففي زيارة لأحد أقطاب حركة الإخوان المسلمين سعيد رمضان لمدينة طنجة بمعية سياسي باكستاني اسمه إنعام الله خان وهو سكرتير المؤتمر الاسلامي العام آنذاك، اتفق أن صلت جموع الطلبة والسياسيين في الجامع الكبير للسماع إلى خطبة سيدي عبد الحفيظ كنون ثم إلى كلمة المصري بالعربية والباكستاني بالانجليزية، حول الوحدة والاختلاف بين المسلمين ليلتقي الجميع بعد ذلك في يوم دراسي يجمع كل الأحزاب الإسلامية المغربية في سبيل الاتحاد والالتحام .

ذهب الشيخ مبكرا إلى مكان الاجتماع وأخذت الجموع تترادف حتى صار المكان لا يتسع لمزيد من الحاضرين . فجاء وقت الظهر وتلاه وقت العصر ودنا وقت المغرب وليس في الجمع من يدعو إلى الصلاة أو ينبه إليها من الفقهاء والعلماء .
أحس الشيخ بخيبة أمل عظيمة حين لمس من قيادات الحركة السياسية آنذاك الرقة في الدين وإهمال الواجبات منه، فخلص إلى نتيجة مفادها : أن لا خير فيمن أخر الصلاة عن وقتها، ولا أمل فيمن أخضع الدين للسياسة لا السياسة للدين .

ومما زاد الطين بلة ما حدث في سنة 1950 بتاريخ النصارى من مجزرة ذهب ضحيتها العديد من المتظاهرين في شوارع طنجة على يد المستعمر الفرنسي فقد كانت رشاشات الخائن التمسماني وأحد الظباط البلجيكيين متوالية على كل الجهات مطيحة بكل من يعترض طريقها من الشهداء الأبرياء .
وفور حدوث المجزرة ذهب شيخنا حفظه الله إلى مقر الحزب منتظرا أي أمر برد الفعل والتنكيل بالعدو السافر، لكن بدون جدوى .. فالصمت عن هذا الحدث المؤلم من قبل قيادة الحزب جعلت شيخنا يتأكد من هشاشة القياديين وضعفهم المتفاقم .
فالتنظيم مهما بلغ في الدقة والحكمة درجة عظيمة فإنه لن يكون على قدم النبوة ومنهاجها الخالد إن لم يلتزم بمبادئ التربية الإسلامية الجهادية وطرقها الأصيلة .

ومن زعماء الحركة الوطنية الذين أخذ عنهم شيخنا في هذه الفترة الزعيم محمد علال الفاسي رحمه الله .. فكان مما يقوله هذا العالم لطلبته : إن استقلال المغرب سيأتي بالرفاهية والازدهار حتى إن المواطن العاطل من المغاربة سيتقاضى من الدولة عشرة دراهم في كل يوم، وكان الدرهم في تلك الفترة يعادل عشرة دراهم أو أكثر في عصرنا الحاضر .. .
لا شك أن عصرا من الأماني المعسولة لا يمكن لرجاله أن يتقدموا ببلادهم خطوات سديدة ما داموا لم يعتبروا بسنن التغيير في الكون ويأخذوا بأسباب النصر المذكور في الكتاب والسنة أخذ الجد والاجتهاد .

في هذه الفترة بالذات كان الشيخ البركة سيدي أحمد بن الصديق رحمه الله ورضي عنه يشن معركة منظمة ضد الحماية الأجنبية في مدينة طنجة .

قال السيد لحسن بن أحمد الأنجري رحمه الله في تأريخه للمظاهرة التي عرفت بمظاهرة المطالب التي نظمهما السيد الحافظ سيدي أحمد بن الصديق مع إخوته وعدد من أتباعه طريقته في طنجة عام 1365 هجرية :
أما كيفية المظاهرة التي قام بها الإمام أحمد بن الصديق رحمه الله، إنه لما خلت من شوال سبعة أيام ووافق ذلك اليوم يوم موسم أبيه الشيخ الأكبر والقطب الكامل سيدي محمد بن الصديق قدس الله سره اجتمع مع بعض أصدقائه واقترح عليهم تلك المطالب وهي اثنى عشر مطلبا واستحسنوها منه حفظه الله غاية الاستحسان، فمن الغد أصبح الكبير سيدي العربي بوعياد خطيب الزاوية يعلم الناس سرا للتجاهر بها أمام المحاكم الفرنسية وأن الموعد يوم السبت من الشهر المذكور، فدار عليهم واحدا واحدا فلم يبق أحد من أهل المدينة إلا وقد اجتمع يوم السبت المذكور بالزاوية، فلما تكامل اجتماعهم قام هذا الخطيب وقرأ علينا الكتاب الموجه إلى المندوب السلطاني يطلب فيه تلك المطالب ويستعطفه في الاهتمام بها على وجه التنفيذ ثم ختم الكتاب بعدما سرد علينا تلك المطالب إلى آخرها . فاستحسنها الجميع ثم نهض بنا فخرجنا من الزاوية في هدوء واطمئنان قاصدين المحكمة المندوبية فلما اجتمع الأول بالآخر واحتشدوا في بابها فخرج إليهم شرطي من أهل المحكمة وقال : يقول لكم جلالة المندوب اختاروا أناسا منكم من ذوي الرأي والتفكير للتكلم معهم فاختاروا سبعة أم ثمانية رجلا وعلى رأسهم السيد العربي بوعياد الخطيب المذكور رحمه الله والشريف سيدي محمد الزمزمي والشريف سيدي الحسن وجماعة يطول ذكرهم فكلهم من أهل البلد وأعيانه، فدخلوا عليه ووجدوه في جماعة من أعوانه وكتابه فسلموا عليه وأجلسهم حوله فلما استقر بهم المجلس التفت إليهم وقال : ما شأنكم أيتها العصابة وماذا تريدون ؟ فأخرج له الخطيب السيد العربي بوعياد كتابا ذكر فيه تلك المطالب وسردها عليه، فاستحسنها وقبلها وقال : ما كنا نحسب أنكم تقومون بهاته المهمات البلدية ومصالح أهلها والآن نحن أحق بها وواحد منكم في الدفاع عنها مهما وجدنا لذلك سبيلا، أما ما كان تنفيذه متعلقا بنا فسأغيره في الحال وأما ما كان أمره راجع إلى السلطان فسأكاتبه فيه وأما ما هو متعلق بالدول الأجنبية فسأعمل لذلك جلسة وأراسل سفراءهم للحضور فيها ونجعل تلك المطالب على مائدة البحث والمناظرة وستكون الحالة إن شاء الله تعالى عامرة بالمسرات بوجود موافقة مولانا السلطان أدام الله بقاءه . هذا كلامه وهو كما يرى وقد يلاحظ القارئ الكريم صفاء القول وصدق المكالمة واتقاء الضمير مع الدهاء وعدم الوفاء لأنه لم يكن لهذه المطالب تنفيذ من جانبه ولا من جانب غيره كما عرفنا عنه قديما وشاهدناه في هذه المرة وإنما كان منه ذلك مداهنة ليدفع عنه تلك الجموع الغفيرة التي كانت واقفة وراء الباب تنتظر الجواب . أما الجماعة التي دخلت عليه للتفاهم معه فإنها لما تباحثت وأخذت رأيه في ذلك ظنت أن الأمر قد كمل وأن للقول حقيقة خصوصا وقد قابلها بمزيد الفرح والارتياح وقد ودعها كعادة الحكام أهل الدهاء والدهناء فغرهم سماع كلامه الممزوج بالكذب والخيانة ولم يتفطنوا لذلك إلا بعد مرور شهرين أو ثلاثة . فلما خرجوا من عنده تلقتهم جماعتهم المتظاهرون وقالوا لهم : ما وراءكم ؟ قالوا : وراءنا ما يسركم ولكن لا يمكن شرحه هنا ولمن أراد سمعه فالمبادرة إلى الزاوية الصديقية، ثم خرج المحتشدون من المحكمة المندوبية ولسانهم يهتف بحياة الملك راجعين أيضا إلى الزاوية في هدوء واطمئنان ليسمعوا رد الجواب فلما دخلوا افتتحوا سورة تبارك الذي بيده الملك على ذلك الضريح الشريف لما ختموا قراءتهم وتم هدوءهم قام الشريف سيدي محمد الزمزمي خطيبا فشرح لهم عوامل المظاهرة وأسبابها وما ادعاهم إلى ارتكابها وأن حقوق أهل المغرب قد ضاعت وأنكم إذا لم تقوموا الآن تطلبون حقوقكم من عدوكم فرنسا التي أبعدتكم عن حقكم في هذا الوقت الذي هو وقت حرية واستقلال وأن جميع الدول اتفقوا رفع الظلم والسيطرة والاستبداد على الأمم الضعيفة وأنهم على قبول تام من تلبية نداء كل ضعيف وإعطاء كل ذي حق حقه، وأن جلالة المندوب قد ساعدكم في مطلوبكم بل شارككم فيه وأنه هو أحد أفرادكم المهضومة حقوقهم وقد أعجبه ما رآه منكم حيث لم ير ما يسوءه وأن فرنسا حريصة في أن تبث بينكم العداوة والشحناء لتحرمكم مطالبكم وتبعدكم عن حقوقكم وتسلب عنكم تلك الأخوة التي هي السلاح الأعظم في الدفاع عن مجدكم وشرف أسلافكم وتريد أن تمد يد التخالف ونشر التحازب وفشو التعاند وعدم الحرية في كل شيء حتى في التعليم وغير ذلك من الأسباب التي ظل المغرب تحتها ذليلا حقيرا لتستطيع بذلك أن يثبت أمامها رجل يطالبها في حق له عليها، ولو طلبها لضربته بها التخالف وفشل التحازب الذين هما السبب الأعظم في عدم قبول شكاية أي مغرب كان . ثم بعد ذلك بأربعة أيام ألقى خطابا كبيرا وكلمة واسعة الأستاذ الكبير والمحدث العظين الحافظ أبو المواهب سيدي أحمد بن الصديق حفظه الله عشية يوم الأربعاء من شوال عام 1365 هجرية تعرض فيها على تاريخ المغرب وسبب تأخره حتى صار لا يعتبر في النظر الأجنبي إلا كمائدة مفكهة حولها أيادي مختلفة متجشعة .. .

أما المطالب التي قدمها الإخوة الصديقيون للإدارة الدولية فهي :
المطلب الأول : إغلاق دكاكين الخمر وبيوت الدعارة والفساد الموجودة حول المسجد الأعظم وحول المسجد الجديد المعروف بالجامع الجديد .
المطلب الثاني : إقفال الخمارات وبيوت الفساد التي كثر فتحها الآن بشوارع المسلمين وبين بيوتهم .
المطلب الثالث : الزيادة في أجور الموظفين بالأحباس فإن وظائف الأحباس وظائف دينية شريفة وهي مع ذلك لا تخلو من مشقة عظيمة وتعب كبير، ومستفاد الأحباس كثير حتى إنه لكثرته يفضل منه ما يدفع سلفا للدوائر الحكومية، ورغما عن ذلك فإن الموظفين به لا يأخذون منه ما يناسب وظائفهم ولا ما ينص عليه لفظ المحبس .
المطلب الرابع : أعضاء المجلس التشريعي الطنجي يختار أهل البلد عدة أشخاص ترفع أسماؤهم إلى سعادة مندوب الجلالة الشريفة لينتخب منهم ما يصلح للعضوية .
المطلب الخامس : البوليس البلدي يظلم المسلمين بالخصوص ظلما فاحشا ويأخذ أموالهم ويضرب أبشارهم ويهينهم إهانة عظيمة لا تحمل ولا يصبر عليها أحد ولا حجة لهم على هذه المعاملة الخبيثة التي يعاملون بها المسلمين ولا قانون يسمح لهم بها، وهل يوجد قانون لا يقضي بالغرامات المالية طول السنة إلا على المسلمين خاصة دون غيرهم .
المطلب السادس : تنظيم الأمور التي ترجع إلى إدارة الحسبة فإن الشكايات لا تنقطع من أجل اختلال الأمور التي كانت في القديم من شأن المحتسب، حيث أن المحتسب الآن لا يحرك ساكنا وكل من ذهب إليه مشتكيا لا يجد عنده دواء ولا فائدة .
المطلب السابع : منع الناس من الجلوس للبيع بالسوق يضرهم ويلحق بهم أذى كبيرا .
المطلب الثامن : الوظائف كلها بيد الأجانب مع أن أهل البلد المقتدرين عليها والمتأهلين لها موجودون يضيعون جوعا وتفريطا .
المطلب التاسع : المسافرون إلى تطوان أو أصيلا وإلى غيرهما من مدن المغرب تؤخذ أموالهم كلها ويعتدي عليهم المكلفون بالتفتيش تعديا زائدا على اللازم خارجا عن القانون فتارة يأخذون كل ما معهم وتارة المال فقط وتارة الدجاج والبيض وهكذا .
المطلب العاشر : العامل المسلم بمصلحة الأشغال البلدية والعمومية مهضوم الحق من جهة الأجرة إذ العامل الأجنبي يأخذ خمسة وعشرين بسيطة وهو لا يأخذ إلا ثمانية بسيطة مع أن الخدمة واحدة والتعب واحد .
المطلب الحادي عشر : تنظيم الجمعية الخيرية فإن مستفادها كثير كاف لو نظم وصرف إلى محله ولو لم تختطفه اليدي الآثمة الظالمة، فالأموال التي تدخل بقصد حاجة الفقراء والمساكين لا يصل إليهم منها إلا جزء من عشرة والباقي كله يذهب به الرؤساء والوقافون، والمشاهدة تغني عن الدليل .
المطلب الثاني عشر : إدارة جوازات السفر بالمندوبية تعامل المسلمين معاملة قبيحة للغاية والسبب في ذلك وجود "اللواح" بها . فهذا الرجل يهين المسلمين ويحتقرهم غاية مع أنه لا يعامل الأجانب اليهود إلا بالجميل الزائد على القدر المحتاج .

وفي عام 1366 هجرية أراد السلطان محمد الخامس رحمه الله زيارة مدينة طنجة فامتنعت السلطات الدولية وحاولت إفشال هذه الزيارة التاريخية بالمجزرة التي حدثت في الدار البيضاء وذهب ضحيتها العديد من الوطنيين البررة . يؤرخ لنا السيد لحسن بن أحمد الشركي الأنجري هذه الفترة فيقول :
لذلك قام الشريف سيدي أحمد بن الصديق حفظه الله ساخطا أمر الفرنسيين وكتب إلى جميع الدول يعلمها بجرائم فرنسا الوحشية ورفع احتجاجه إلى سفرائهم بطنجة منهم الأمريكان والانجليز والإسبان وقام بمظاهرة عظيمة ضد الحكومة الفرنسية عقب صلاة العصر أي بعدما صلى بنا العصر بالزاوية الصديقية وذكرنا اسم الله اللطيف مائة وتسعة وعشرين بلسان واحد، وبعد الختم قام أخوه السيد عبد العزيز فرقي المنبر فخطب الناس وبين لهم جرائم فرنسا بالمغرب وما عملته بالدار البيضاء من فتك وقتل وتمثيل واضطهاد وغير ذلك مما فعلته بالشام وسوريا والجزائر وباقي مستعمراتها ثم تعرض إلى المظاهرة وأن تكون في هدوء واطمئنان وسكينة ووقار وإلا كانت فوضى .. والفوضى لا تجدي نفعا لصاحبها . ثم أعلم الجميع بأنهم قد كتبوا إلى رئيس الجامعة العربية عبد الرحمن عزام باشا بعد ما كتبوا إلى سفراء الدول بطنجة أيضا ثم عض على الأخوة في الدين والجمع والألفة وعدم التفرقة في الكلمة وعضد ذلك بشواهد قرآنية وأحاديث نبوية ثم هتف بحياة الملك : وليسقط الاستعمار، فهتف الجميع .. ثم نهض الأستاذ الكبير سيدي أحمد وتبعه إخوته السيد محمد الزمزمي فالسيد عبد الحي فالسيد عبد العزيز فباقي الأصحاب والتلامذة فخرجوا من الزاوية فتبعتهم تلك الجموع الغفيرة التي كانت محتشدة في باب الزاوية تنتظر خروجه وهو في مقدمتهم وحوله أربع رايات .. وعلى رأسه عمامة سوداء، فصار ستخرق بهم شوارع المدينة فمرا على دار السفارة الأمريكية ثم منها إلى السفارة الإنجليزية فالإسبانية ثم منها إلى الزاوية والناس يهللون ويكبرون .. .

وبعدما حل السلطان محمد الخامس رحمه الله في طنجة زائرا خصص اليوم الثاني من زيارته لمقابلة أعيان البلاد وعلماء المدينة وشرفائها فكان أول من أدخل عليه أبناء ابن الصديق يتقدمهم سيدي أحمد بن الصديق رحمه الله .
قال سيدي لحسن الأنجري في ذلك :
فقام إليهم – يعني السلطان – إجلالا لهم وعانقهم وصافحهم وقابلهم بكل ترحيب وقال لهم : إن أجدادنا وأجدادكم شيء واحد، فقال له الشريف الأستاذ سيدي أحمد : نعم وكذلك نحن معكم، ثم قال له الشيخ : أتقبل منا هدية فقال له وقد غمره الفرح : وكيف لا ؟! فأخرج له كتابا قيل لي إنه كتاب الشفا للقاضي عياض إشارة إلى أن يشفي الله هذه الأمة على يدهما، فتقبله بقبول حسن ثم ودعوه وانصرفوا .. .

كان شيخنا سيدي عبد الله يومها في شبه عداء للإخوة الصديقيين المنادين آنذاك بكل جرأة لترك تقليد المذهب المالكي التقليد الأعمى مما جعل العديد من طلبة العلم الحائرين في أمر الاجتهاد والتقليد يحرمون من بركة الاتصال بأئمة السنة والحديث في طنجة .
قرر الشيخ سيدي عبد الله بعد ذلك، نظرا للإحباط الذي مني به على إثر اتصاله بحزب يفتقر إلى روح التربية الجهادية، مغادرة مدينة طنجة والالتحاق بمدينة فاس ليخوض تجربة جديدة في هذه البقعة العلمية العريقة بعدما تمرن على علوم الآلة والعربية والفقه والأصول.

-- شيوخ شيخنا رحمهم الله جميعا --

تردد الشيخ إلى مختلف المساجد وحلق العلم بطنجة مدة ما بين 1947 إلى 1950 بتاريخ النصارى قرأ فيها على علماء المدينة والطارئين عليها راسما بذلك خطة تكوينية خاصة به، فقرأ على العلامة الشيخ سيدي عبد الله بن عبد الصادق التمسماني : ألفية ابن مالك ونور اليقين وتحفة الحكام ورسالة الحكام ورسالة ابن أبي زيد وجمع الجوامع ومختصر خليل بالشرح الصغير للدردير في الفقه المالكي .
وقرأ على الفقيه محمد المكي الناصري الأربعين النووية .
وقرأ على العلامة الأديب عبد الله كنون ورقات إمام الحرمين .
وقرأ على العلامة الفاضل السيد عبد الحفيظ كنون : السنوسية في التوحيد ورسالة ابن أبي زيد مرتين ومختصر ابن أبي جمرة وسنن ابن ماجه إلى النكاح وبعض صحيح البخاري.
وقرأ على العلامة السيد أحمد أبوحسين التفسير من أوله إلى سورة المائدة والجوهر المكنون في البلاغة .
وقرأ على العلامة محمد السكيرج المقنع في الفلك والتوقيت والحساب وبعض الكتب الأدبية .
وقرأ على العلامة الأديب محمد علال الفاسي التفسير من سورة تبارك إلى ختام القرآن الكريم وكتاب الشمائل المحمدية .
وقرأ على العلامة النحوي السيد الحسن اللمتوني ألفية النحو مرارا .
وقرأ على الشيخ سيدي عبد السلام أبارغ المصوري الأجرومية بالأزهري .
وقرأ على العلامة سيدي محمد الساحلي الوسيني توحيد ابن عاشر ورسالة ابن أبي زيد وجملة من التفسير .
كما قرأ شيخنا على فقهاء آخرين غير مترجمين وللأسف الشديد ضمن علماء تلك الفترة في كتب التراجم المعاصرة :
منهم العلامة النحوي السيد عبد السلام الخنوس وهو غير المقرئ عبد السلام الخنوس الذي حفظ عنده القرآن الكريم : قرأ عليه الآجرومية وألفية ابن مالك ومرشد ابن عاشر مرارا، ورسالة ابن أبي زيد مرة، وابن بري في قراءة نافع وبعض الشاطبية وهمزية البوصيري ومقدمة جمع الجوامع في أصول الفقه ولامية الأفعال والمنطق .
والفقيه المبارك الوسيني قرأ عليه لامية ابن الوردي في الآداب والأخلاق ودروسا في الحساب .
والفقيه عبد الرحمن الجزائري قرأ عليه ورقات إمام الحرمين .
وأخوه الفقيه عبد القادر الجزائري قرأ عليه مبادئ الجغرافية .
والفقيه بن عمر قرأ عليه ألفية ابن مالك ومختصر خليل وتحفة ابن عاصم .
والفقيه محمد بوليف قرأ عليه تحفة ابن عاصم .
والفقيه عبد الله الزراد قرأ عليه السلم في المنطق بالقويسني .
والفقيه محمد الصائل الأنجري قرأ عليه ألفية ابن مالك .
والفقيه التايدي قرأ عليه ألفية ابن مالك أيضا .
دون أن ننسى الفقيه سيدي عبد المجيد زميزم رحمه الله الذي لازمه مدة قليلة .
وهذا إفراط من المؤرخين المغاربة خاصة الطنجيين منهم إذ لم نكن لننسى جهود هؤلاء الفقهاء في نهضة العلوم الشرعية وما قدموه من تضحيات جسيمة مع طلبتهم في تلك الفترة وإن اختلفنا معهم في وجهات النظر والاجتهاد .. .
وممن كان له الأثر الكبير في حياة شيخنا سيدي عبد الله من علماء هذه الفترة العالم الرباني سيدي عبد الله بن عبد الصادق التمسماني رحمه الله الذي أفرده شيخنا بالذكر في كتابه نصب الموائد الجزء الأول تحت عنوان : من علماء طنجة .

وتنبغي الإشادة هنا بدور والدة شيخنا للا رحمة بنت حرمة بن علال رضي الله عنها في هذه الفترة وفي كل الأيام التي رافقته فيها، ذلك التاريخ المنسي عادة من تراجم الرجال والعلماء .
فالأم توفر لابنها الطالب ظروف الدراسة من أكل سليم وثياب نظيفة وراحة معنوية لا يكاد يجدها الطالب البعيد عن والديه الكريمين .
ففي هذه الفترة كانت والدة الشيخ تأتيه بالغذاء من مرشان إلى مسجد بوعبيد مساعدة منها له على اغتنام الوقت وذلك لكثرة دروسه وضيق وقته .
ولهذا وتأكيدا لهذا الواقع الملموس رأى مرة والد شيخنا سيدي عبد القادر التليدي في المنام كأنه مع ابنه وزوجته والدة سيدي عبد الله بقبيلة بني جرفط صحبة الإمام المهدي والناس يتعجبون من والدة شيخنا ويقولون :
سبحان الله ماذا أدركت فلانة ؟ .
فهي السيدة العفيفة الشريفة رحمة بنت أبي حرمة بن علال ولدت في العقد الأول من القرن الرابع عشر وتزوج بها أبوه سيدي عبد القادر ثيبا قد طلقت من زوج سابق . رحمها الله برحمته الواسعة .

شد شيخنا الرحلة إلى فاس في سنة 1950 بتاريخ النصارى مع أحد الطلبة المبرزين في طنجة اسمه سيدي أحمد بوبوط رحمه الله الذي كان معروفا بغيرته على الدين وتأسفه لحال المسلمين، وكان القصد هو الدراسة بمسجد القرويين التاريخي .
كانت الرحلة في تستر من رجال الحدود الفرنسيين إذ كانوا يمنعون خروج أهل طنجة منها بدون رخصة قانونية . بات الطالبان خلال الرحلة في دشار عرباوة ليلة كاملة ليستأنفوا السفر في الصباح إلى مدينة فاس .
كانت مدرسة الصفارين في فاس دار إقامة شيخنا سيدي عبد الله مع أحمد بوبوط والأخوين عبد السلام وعبد العزيز الخليع، فكانوا مقيمين جميعا في محل واحد .
وبالرغم من قصر مدة الإقامة إذ لم تدم أكثر من سنة ونصف فقد قرأ شيخنا في مسجد القرويين : مقدمة جمع الجوامع على العلامة السيد عبد العزيز بن الخياط .
وقرأ توحيد ابن عاشر على العلامة العباس بناني ومختصر خليل على السيد إدريس العراقي .
والسيد عبد العزيز بن الخياط هو ابن سيدي أحمد بن الخياط الذي تتلمذ عليه سيدي أحمد بن الصديق رحم الله الجميع .. وهو من أبرز العلماء في هذه الفترة تحقيقا لعلم الأصول.
وكان من نكت الشيخ البناني الطريفة التي ما زال يتذكرها سيدي عبد الله قوله أثناء الدرس :
إن هرة منزلي تحفظ جيدا جمع الجوامع، معرضا بالطلبة الذين لا يغتنمون فرصة أخذ هذه المادة العلمية العزيزة، من دروسه ومجالسه، غضة طرية .
كانت الإضرابات والمظاهرات العائق الأول لمتابعة الشيخ دروس الفاسيين الذين كان علماؤهم لكثرتهم في هذا التاريخ يحتلون كل سارية من سواري مسجد القرويين العظيم.

 

 

التوقيع :
http://ar.netlog.com/abdoalbouzaydi/guestbook
هذا الذي تعرف البطحاء وطأته ... و البيت يعرفه و الحل و الحرم

هذا ابن خير عباد الله كلهم....... ... هذا التقى النقي الطاهر العلم
رد مع اقتباس
 

  #5  
قديم 12-12-2012, 05:24 AM
عبد الخالق البوزيدي عبد الخالق البوزيدي غير متواجد حالياً
كاتب نشيط
 




افتراضي رد: أبو الفتوح عبد الله التليدي

-- اتصاله بالزاوية الصديقية --

وبسبب الفتن السياسية قرر الشيخ الرجوع إلى مدينة طنجة وأصبح يعين عددا من الطلبة المبتدئين والمتدربين على تحصيل علوم الآلة والعربية بعدما تمرن وتدرب عليها، فكانت من جملة مجامعه الطيبة اجتماعه بمصطفى الفتوح وعبد المجيد بوصوف وعبد الملك ابن عجيبة في بيت والد هذا الأخير سيدي الغالي بن عجيبة أحد تلاميذ سيدي أحمد بن الصديق المحبوس آنذاك في سجن آزمور بحكم إسباني فاجر.
ففي سنة 1949 بتاريخ النصارى قام العارف بالله سيدي أحمد بن الصديق ضد الاستعمار الإسباني فحرض أتباعه على الجهاد بالمنطقة الخليفية في سبيل نصرة المسلمين والدفاع عن هذه المنطقة فجند مريديه في قبائل كل من ودراس وأنجرة وبني يدر وبني مصور بالإضافة إلى طنجة وتطوان فكان الخائن الذي أخبر سلطات الاحتلال بمخططات الجهاد جاسوس من الشاون يعمل للإسبان منذ مدة بعيدة بين صفوف الفقراء .. فوقع على سيدي أحمد بن الصديق القبض عند بداية هذه الحركة من لدن الإدارة الدولية بطنجة فحكمت عليه المحكمة المختلطة بالسجن ثلاث سنوات ونصف، من شهر فبراير 1950 إلى متم شهر غشت 1953، إلى جانب غرامة مالية فادحة .
ويعد هذا الحكم من كرامات الشيخ سيدي أحمد بن الصديق ذلك أن عملا مثل الذي خطط له لا يحكم فيها عادة إلا بالسجن المؤبد أو الإعدام .
كان القائم بالقبض على الفقراء وضبطهم متلبسين القائد الخائن أطريبق الذي رأى بعد ذلك في المنام كأن الشيخ سيدي أحمد بن الصديق رضي الله عنه جاء إليه في النوم في جماعة من الفقراء فضربه الشيخ بمسدس ضربات متوالية فأصبح وظهره مقصوم، فرفع لتطوان للمستشفى فلم يلبث إلا قليلا فمات شر موتة، وكان يقول : إن ابن الصديق هو الذي قتلني .

قد مر بنا كيف أن شيخنا تأثر في البداية بأقوال مشايخه في وجوب التقليد وترك العمل بالسنة والحديث .
ولكنه حفظه الله وإن كان يسمع أساتذته يحذرون طلبتهم من لقاء الشيخ سيدي أحمد بن الصديق وكوكبة إخوانه العلماء فإنه لم يجد في قلبه كراهية للصديقيين المجددين وعلى رأسهم الحافظ سيدي أحمد قدس الله سره .
إلا أنه لم يكتب لشيخنا اللقاء بالإمام سيدي أحمد إلا بعد مضي أكثر من ست سنوات منذ طلبه للعلم .
نعم، وافق مرور شيخنا ذات يوم في إحدى دروب مدينة طنجة مرور الشيخ البركة سيدي أحمد رحمه الله وجاهه على نفس الطريق فلما نظر في وجهه ولم يكن قد رآه من قبل واجهته أنوار الصلاح ونضارة أهل الحديث، فوقع شيخنا على جدار وأخذه رعب شديد وفرق مقلق فعلم أن وجهه ليس بوجه كذاب .
ومثل ذلك وقع للشريف العلامة سيدي محمد البقالي حفظه الله لما عاد من مدينة فاس بعلم خليل ومعرفة شراحه وما أوتيه من آليات الفهم واللغة وسمع بسيدي أحمد بن الصديق محدثا مجتهدا، جاء للاستماع لدرسه وعليه حلة علماء القرويين يستصغر هذا الصديقي المتصدر فاتكأ على أسطوانة من وراء الناس مصغيا ما أمكنه لعلم سيدي أحمد رحمه الله دون أن يفقه شيئا فصار يزحف على أسته شيئا فشيئا حتى التحق بالحلقة قد أخذته نضارة الحافظ وبهجة وجهه مع ما كان يبوح به من أسرار العلوم والمعارف .
وهكذا كان يقع لكل من قابل الشيخ سيدي أحمد رحمه الله ورضي عنه لأول وهلة مثلما حصل لسائحة أجنبية رأته رضي الله عنه فحصل لها دهش عظيم فاعتقدت فيه القداسة والبركة رحمه الله .

كان لقاء شيخنا سيدي عبد الله حول النحو والعربية مع الطلبة الصديقيين السبب في زيارة شيخنا للزاوية في ذكرى من ذكريات شيخ الإسلام والقطب الرباني سيدي محمد بن الصديق رضي الله عنه سنة 1952 بتاريخ النصارى .
إلا أن شيخنا حفظه الله أنكر على أصحابه العزف بالآلة الموسيقية داخل الزاوية تقليدا منه لأراء فقهاء زمانه الذين كانوا يحرمون استخدام الآلات الموسيقية ولو في ذكر الله والصلاة على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم تعصبا منهم لمذهب المالكية .
فتعلل أصحابه الثلاثة بوجود علماء داخل هذا المجمع المبارك وهم يقرون هذا العمل ويرون مشروعيته ويستدلون لذلك بأحاديث لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم تبيح اللهو العفيف وتسمح بالغناء والحداء .
وكان أول عالم صديقي يتصل به شيخنا هو الزمزمي سيدي محمد رحمه الله الذي كان ينوب عن أخيه الأكبر في الخطبة، فقرأ عليه بلوغ المرام وطرفا من لب الأصول مع طالب آخر يدعى عبد الملك الريفي في غرفة من غرف الزاوية التي كانت مقر سكناه رحمه الله .
وقرأ أيضا في هذه الفترة على العلامة المحدث الفقيه السيد عبد العزيز بن الصديق رحمه الله سنن الترمذي من أوله إلى نهايته وألفية العراقي في علم الحديث ونخبة الفكر وتفسير الجلالين إلى سورة هود وغير ذلك .. رفقة طالب يدعى عبد الكريم الجباري .
كما قرأ أيضا على العلامة الأصولي السيد عبد الحي بن الصديق رحمه الله نخبة الفكر ومفتاح الوصول وطرفا من سبل السلام والجوهر المكنون .
إلا أن سيدي عبد العزيز بن الصديق رحمه الله كان أكثر من يتخلله شيخنا من بين الصديقيين آنذاك فكان يلازمه في خروجه وفي بيته، بل ويبقى في منزله في حومة الحناط من منطقة مرشان ريثما يعود من سفره مع أهله .. وكان أكثر ما يشغل بال السيد عبد العزيز قراءة وكتابة في هذه الفترة، الحديث النبوي الشريف والتصوف .
ونظرا لكون الدقائق التربوية في تلك الفترة صارت في بداية أفولها وتراجعها فإنه ذات يوم طلب سيدي عبد الحي بن الصديق رحمه الله من شيخنا سيدي عبد الله أن يراعي اتصاله بالطريقة الصديقية ورجالاتها ومريديها، فيخصص في اليوم وردا من القرآن الكريم يدوم عليه، فإذا بالشاب التليدي اليافع يخبر خليله ويفاجئه بأن له في اليوم ورد خمسة أحزاب من كتاب الله منذ مدة بعيدة .
تتلمذ شيخنا حفظه الله على الصديقيين الثلاثة تبركا بهم وبآثار أبيهم سيدي محمد بن الصديق رضي الله عنه ورحمه، واغتناما لفرصة التحقيق في مسائل من التفسير والفقه والحديث والتربية عبر المذاكرة والمناقشة .
يقول ابن خلدون رحمه الله : إن الرحلة في طلب العلوم ولقاء المشيخة مزيد كما في التعلم والسبب في ذلك أن البشر يأخذون معارفهم وأخلاقهم وما ينتحلون به من المذاهب والفضائل تارة علما وتعليما وإلقاءا وتارة محاكاة وتلقينا بالمباشرة إلا أن حصول الملكات عن المباشرة والتلقين أشد استحكاما وأقوى رسوخا فعلى قدر كثرة الشيوخ يكون حصول الملكات ورسوخها هـ .

وفي هذه الفترة ما بين 1952 و 1953 بتاريخ النصارى قرأ شيخنا على العلامة المحدث السيد محمد المنتصر الكتاني – نزيل الحرمين الشريفين – البيقونية في علم الحديث وورقات إمام الحرمين في أصول الفقه ونور اليقين وخمسة أحزاب من تفسير القرآن الكريم .
كان الشيخ الكتاني، وهو من أبرز الخطباء السياسيين في هذه الفترة مع المشاركة في علوم مختلفة، النائب الأول في مدينة طنجة للسيد محمد بن الحسن الوزاني زعيم حزب الشورى والإستقلال .
ويعد هذا الحزب من التنظيمات الإسلامية الأولى في المغرب قبل وبعد الاستقلال التي بذلت جهودا معتبرة لتوعية الشباب المغربي المسلم مستندة في ذلك إلى المرجعيات العلمية كالشيخ الكتاني رحمه الله الذي أتى إلى طنجة تحت نفقة الحزب مدرسا ومعلما .
لم يفت سيدي محمد المنتصر الكتاني بعدما تعرف على نبوغ شيخنا وذكائه أن يستقطب العالم الشاب سيدي عبد الله التليدي كعضو فاعل في الحزب، إلا أن تجربة شيخنا الأولى مع الوحدة المغربية حالت دون انضمامه إلى الاستقلاليين الجدد : الشوريون .
وكان ممن استشارهم في الأمر الشيخ الزمزمي رحمه الله الذي أجاب في التو بالرفض القاطع والامتناع الجازم عن الدخول في معمعة السياسة الحزبية " الفاشلة " .
ويلخص لنا الشيخ سيدي عبد السلام يس كيف لم ينجح علماء الحركة الوطنية في تغيير واقع الاستعمار قائلا :
تجاذبت الحركة الوطنية والمطحنة التغريبية الشباب المتعلم في أوروبا فاستنفذت منه أفرادا لامعين كانوا في مقدمة من نازل الاستعمار وقاوم الاستعمار وفاوض الاستعمار آخر الأمر بشروط تنازعتها الذاتية الوطنية المجسدة في ملك منفي مظلوم هو رمز الهوية وتنازعتها المصلحة السياسية والمرونة الدبلوماسية والتنازلات الدبلوماسية . وكلها فنون لا يتقنها المستعربون خريجو القرويين مؤسسو الحركة المصلون العلماء . رحمهم الله هـ .

وفي هذه الفترة أصبح شيخنا خطيبا ليوم الجمعة في مسجد بالشجيرات من نواحي طنجة، فوافق يوم من أيام الجمعة منفى سلطان المغرب آنذاك محمد الخامس إلى مدغشقر فراجت في المغرب فكرة الامتناع عن شراء الأضحية ليوم العيد كرد فعل وطني ضد قرار المستعمر نفي الملك الراحل .. فتقدم أحد المواظبين لخطبة الشيخ بسؤال حول الموضوع فإذا بشيخنا حفظه الله يبين للناس أن الأضحية ليوم العيد سنة إسلامية لا تتعلق بموت أحد أو نفي آخر، فثارت لذلك ضجة في المسجد بين مؤيد ومعارض انتهت إلى حد اتهام سيدي عبد الله بالخيانة والعياذ بالله .
كان على الجماعة المؤيدة للشيخ أن تذهب عند سماع هذا القذف الخطير إلى نائب الفرنسيين والمندوب التازي بشكاية تلتمس إعادة الاعتبار لشيخنا المهان .. فاستدعى النائب الفرنسي كل من اتهم شيخنا بالخيانة ليتبين حقيقة أقوالهم واتهاماتهم فاعترفوا جميعا بذلك فسأل النائب الكافر الماكر هؤلاء قائلا : حول ماذا يجمعكم خطيبكم ؟ فأجابوا : حول مواضيع الأخلاق والتربية والوعظ والإرشاد .
فقال لهم : كيف تتهمون من يسعى لتذكيركم بأصول دينكم وتفاصيله ؟! وأمر بسجنهم شهرا نافذا .
كان شيخنا من بين المدعوين لهذه المحاكمة إلا أنه امتنع من الحضور مصمما عدم معاودة الخطبة بهذا المكان ثانية .
لم يعاود شيخنا الخطبة بالشجيرات لأن الاستعمار قد استطاع أن يستغل فتوى فقهية لعالم من العلماء ظن الناس جهلا أن صاحبها يريد النيل من ملك البلاد المنفي، فأدب لعنه الله كل من حاول المساس بشخص شيخنا، وما يريد بذلك إلا الوقيعة بين المسلمين .

وبعدما خرج سيدي أحمد بن الصديق من السجن عام 1374 هجرية كان عليه أن يختار مدينة سلا مكان سكناه لعدم سماح الدول الاستعمارية له بالدخول إلى مدينة طنجة ..
فكتب الفقيه الشاب سيدي حسن بن الصديق إلى أخيه الأكبر يخبره بأخ جديد في الطريق يدعى عبد الله التليدي .
وفي أواخر سنة 1953 بتاريخ النصارى سافر شيخنا سيدي عبد الله إلى سلا للقاء شيخ الطريقة الصديقية والحافظ الأوحد في زمانه والمقاوم الشديد للكفر والكافرين في المغرب، فلازمه واستفاد منه في علم الحديث متدربا على تطبيقاته وتوجيهاته وانتفع بعلومه انتفاعا جما.
وكان أول سؤال سأله شيخنا لسيدي أحمد بن الصديق أن يقرأ عليه الحديث المسلسل بالأولية كما هي عادة تلاميذ الحديث النبوي مع كبار شيوخهم، وهو حديث :
الراحمون يرحمهم الرحمن، ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء .
كانت تلك الفترة التي قضاها شيخنا في مدينة سلا من أجمل الأيام في حياته قرأ فيها العديد من الكتب والرسائل كما مكنته من مذاكرة شيخه بين الفينة والأخرى ومساءلته في كل ما يثير ذهنه من المسائل العلمية العالقة التي تحتاج إلى دقة المحققين وخبرة الباحثين .
اكتفى شيخنا في لقاءه بالحافظ سيدي أحمد بالمذاكرة والمناقشة وبشوط كبير من صحيح مسلم قرأه عليه في منزله إذ كان الأهم بالنسبة للعالم التليدي الشاب التحقيق ثم التحقيق بعد مضي زمن التكوين والتحصيل .
وفي هذه الفترة سيلتقي شيخنا من جديد مع الشيخ الكتاني رحمه الله الذي صار أستاذا في جامعة الرباط يدرس مادة مقارنة الأديان التي كان يحضرها حتى القساوسة والرهبان من النصارى، فكان سيدي عبد الله الواسطة بين شيخيه سيدي أحمد وسيدي محمد المنتصر اللذين كانا على صلة دائمة ولقاءات متواصلة تدور بينهما بسببها حوارات علمية نفيسة .
وهذه من المهمات التي ينبغي للدعاة الوقوف عندها خاصة بالنسبة للمتصوفة منهم أو من يساندون قضايا التصوف والتربية الإحسانية، ذلك أن ربط الاتصال بين العلماء والربانيين والمحدثين يجب أن يكون رائدهم ومحل اهتمامهم وأرقى مستوى من سلم أولوياتهم .
فأينما وجد شيخ رباني في منطقة من المناطق فذلك يعتبر بالنسبة للداعية الساكن بتلك المنطقة حالة استثناء لدعوته ينبغي أن يتحرك بموجبها في اتجاه ينفع الدعوة بالعلم النافع والتوجيهات الراشدة .
يقول الشيخ سيدي عبد السلام يس حفظه الله :
إن كانت رؤية تعلم وتلق للعلم بصدق العلماء وأمانتهم واتباعهم أعطتنا هذه الرؤية أجيالا من المهاجرين إلى الله المناصرين لسنة رسول الله . وهم أساسا أهل الحديث .
فإن كانت رؤية محبة وتشرب قلبي وصحبة تربية واتباع وارتفاع همة لمعرفة الله تعالى والعبودية الخالصة له أعطتنا هذه الصحبة أجيالا من المهاجرين إلى الله ورسوله الحريصين على تطبيق أمر الله وسنة رسوله .
وما صمد تحت فتنة القرون حتى أوصلوا إلينا الإيمان غضا في القلوب في قنوات حية، يصب بعضها في بعض على مر الأجيال إلا من سموهم الصوفية .
وما حمل إلينا العلم مصونا ناصعا إلا رجال السند خدمة كتاب الله وسنة رسوله .
فمن قصر باعه عن جمع الطائفتين في عين التعظيم والمحبة فمن أين له الاستطالة على المؤمنين لقصوره ؟ هـ .

كانت مدة صحبة شيخنا للعالم الرباني سيدي أحمد بن الصديق بلسما شافيا للعالم الشاب سيدي عبد الله حفظه الله، فلنتركه يحكي بنفسه عن أثر هذه الخلة :
.. كنت قبل الاتصال به رضي الله عنه مبتلى بمصيبة لا أقدر على الانفكاك عنها ومنذ صحبتي له رفعها الله تعالى وعافاني منها ببركته ولم أستطع الرجوع إليها مع همي بها وعزمي عليها، وهذا والله مما شاهدته من نفسي معاينة مع تعجبي من ذلك .
فالحمد لله على صحبة أهل الله تعالى أمثال مولانا الشيخ الذين يحمون المنتمين إليه بإخلاص وصدق ومحبة كاملة ويحوطونهم ويراعون أحوالهم ويحولون بينهم وبين الجرائم كما وقع لجماعة من أهل الله تعالى مع تلامذتهم هـ.
فلله در شيخنا إذ لم يستنكف من ذكر هذه الواقعة التي وإن نسبته للخطأ والزلل فهي من كرامات شيخه وآثاره . فلم يكن شيخنا حفظه الله لينكر جميل هذه العشرة الربانية .
وفي سنة 1374 هجرية بقبيلة أزعير رأى شيخنا حفظه الله مولانا الشيخ سيدي أحمد رضي الله عنه يقول له :
إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يحبك .
وفي الصباح سأله شيخه :
هل رأيت رؤيا، فقصها عليه ففرح بذلك للغاية .
وتعد هذه الرؤيا كمؤشر بين للصعود العلمي المتألق لشيخنا حفظه الله وتشرب مركز من عين النبوة ومعينها .
ومرة رأى كأنه بموضع مع العارف سيدي محمد الحراق رضي الله عنه فافتتحا سورة يس ثم بعد قليل تجلى في صورته وشيخنا متيقن بأنه حال فيه وممزوج فيه فقال : إذا اعتادت النفوس ترك الآثام جالت في الملكوت ورجعت إلى صاحبها بطرائف الحكمة من غير أن يؤدي إليها عالم علما، ثم رجع إلى حاله وانقلب العارف أمامه كأنه صبي صغير .
قال الشيخ حفظه الله : ولما قصصتها على شيخنا مولاي أحمد قال لي : إنها تدل على أنك ستبلغ مقام العارف الحراق وتتكلم بلسانه في الملحون وتفوقه بمراحل حتى يكون هو صغيرا بالنسبة إليكم هـ .
وفي سنة 1379 هجرية يرى شيخنا حفظه الله كأنه ذاهب لزيارة العارف سيدي أحمد بن عجيبة دفين الزميج فلما دنا من القبر وجد إحدى رجليه خارج القبر فقبلها وصار يتمسح بها وقرأ عليه سورة تبارك الذي بيده الملك وبعد قليل ظهر جميع جسمه وكان إلى جانبه نهر من ماء، ولما قصها على شيخه سيدي أحمد قال له : إنك ستتكلم على لسانه في التصوف مع علم الحديث والعمل به .
ولقد شاهدت ذلك وعاينته مع عدد من الطلبة في دار القرآن والعلوم الدينية بمرشان أثناء قراءتنا عليه لرسائل سيدي أحمد بن عجيبة في التصوف كشرح نونية الششتري وشرح خمرية ابن الفارض وشرح قصيدة يا من تعاظم للإمام الرفاعي، فكانت تفسيرات شيخنا حفظه الله وتوضيحاته من أسهل ما يمكن للمرء تصوره لفهم مصطلحات القوم ومفاهيمهم وأسس تربيتهم .
هذا وقد كان سيدي عبد الله يرى في شيخه القدوة والمثال حتى إنه مرة رآه في المنام كأنه معه بداره بسلا وليس معهما أحد فقال له سيدي أحمد رضي الله عنه : ادن مني فأنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وشرف وعظم ومجد وكرم، فدنا منه شيخنا وصار يقبل يده الشريفة وكان عليه لباس أبيض ووجهه مشرق يتلألأ نورا .
ومن ذلك أن شيخنا رأى في المنام مرة كأن سيدي أحمد بن الصديق الإمام المهدي، وقيل لشيخنا : إنه أعلى مرتبة من أبي بكر وعمر رضي الله عنهما، فتساءل الشيخ عن السبب فقيل له :
إنه على قدم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم .
قال شيخنا حفظه الله معلقا : والمراد بهذه المهدوية الخاصة، كالصديقية مثلا . وتفضيله على الشيخين ليس على إطلاقه بل هو مؤول ولابد، أو يكون ذلك نسبيا هـ .
فبهذا تدرك سر تغير السلوك للتلاميذ حين اجتماعهم بالأساتذة، سر الأدب النبوي الرفيع وخفض الجناح بكل محبة والإغضاء عن العيوب الظاهرة والخفية، مع عدم اعتقاد العصمة أو الغلو في الشيوخ كغلو الشيعة الروافض في أئمة آل البيت رضي الله عنهم .

-- شيخنا والوراثة المحمدية --

ومن ثم ورث شيخنا حفظه الله من شيخه سيدي أحمد بن الصديق بعد الوفاة مباشرة، إذ رأى بعض الإخوان الأفاضل في المنام كأنه مع سيدي عبد الله في محل، فقيل لشيخنا : هذا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فلما دنوا منه وجداه على صورة الشيخ رضي الله عنه، فجعل يوصي الرائي آمرا إياه بلزوم شيخنا سيدي عبد الله وقائلا له : إن فلانا، يعني سيدي عبد الله، قد ورثني منذ خمسة عشر يوما من يوم الوفاة .
ومثلها ما رأى شيخنا حفظه الله في حياة سيدي أحمد كأنه يمص لسانه، فحكى ذلك له فقال له : إنك سترثني .
وممن أخبره بذلك العارف المجذوب سيدي محمد الناصري الأنجري الذي قال له : إن الشيخ – يعني سيدي أحمد بن الصديق – أخبر امرأة من أزواجه بذلك قبل وفاته بثلاثة أيام بأنك وارثه، فكانت للاعائشة العجيبية هي صاحبة السر الذي باحت به لأخيها الحاج سيدي عبد القادر بن عجيبة الذي بدوره صرح به لشيخنا سيدي عبد الله .
ورأى بعض أصحاب شيخنا كأنه في بستان بالحجاز وفيه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ومولانا الشيخ سيدي أحمد وشيخنا سيدي عبد الله وبعض تلاميذ سيدي أحمد رحمه الله فوهب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ذلك البستان للشيخ سيدي أحمد فأعطى شيخنا نصفه ثم قسم باقيه بين رجلين من تلاميذه .
وهذا لا يعني أن شيخنا هو الوارث الوحيد للحافظ العارف بالله سيدي أحمد رحمه الله، فالإرث العلمي والسلوكي له أنصبة يستحقها أقارب القلب في المحبة والصدق والإخلاص .. إلا أن السهم يختلف باختلاف المستحق ودرجة قرابته من الموروث .
فمن الوراث من يكون نصيبه الثمن ومنهم من يكون حظه الربع أو الثلث أو حتى النصف .. كما أن من الوراث من يصير عاصبا ومنهم من يحجب آخرين عن الإرث الرباني والعياذ بالله .
فما كتبه شيخنا في المبشرات التليدية عن الوراثة والإرث من الحافظ العارف سيدي أحمد بن الصديق ليس الغرض منه كما فهم ذلك بعضهم أن شيخنا يطعن في حسن صحبة من صحب سيدي أحمد رحمه الله أو أن الصحبة الحقيقية والتلمذة الوفية في هذا الزمان لم تكن إلا لهذا الفرع الصديقي الطاهر دون فروع الدوحة النبوية الأخرى .
بل إن كل من جالس الحافظ الأوحد في زمانه سيدي أحمد رحمه الله، ولو ساعة واحدة فقط، مغترف لا محالة من بحر الوداد والمحبة إن أخلص النية والقصد . وهكذا في صحبة كل عالم أو محدث أو شيخ ومرشد رباني .

وبعد سنة ونصف تقريبا في العدوتين عاد شيخنا إلى طنجة وبقي شيخه سيدي أحمد في سلا حتى عام الاستقلال فعاد بدوره إليها ليباشر بنفسه ترتيب داره في سوق البقر التي أصبحت ملاذا للفقراء وكان سيدي عبد الله بها خطيبا بأمر من شيخه رحمه الله .
وعانى شيخنا بسبب الخطبة من حسد بعض الأتباع الذين لم يرضوا به خطيبا، وهو داء خطير لمست ضرره في أول خطبة لي حين أمرني سيدي عبد الله بالنيابة عنه في جمع شهر رمضان المعظم حينما سافر حفظه الله لقضاء مناسك العمرة لعام 1418 هجرية .
بل كان من قبلي سيدي محمد ابن شيخنا رغم علمه وقرابته منتقدا من طرف بعض الأتباع إن هو ناب عن أبيه في الخطبة، .. وهكذا في كل من يرتقي سلم الخطابة نيابة عن شيخهم وبإذنه ، .. ولا يعلم المنتقدون أن الشخص النائب كان مختارا من قبل الشيخ نفسه فانتقاد النائب يعني انتقاد من أنابه، فأين ادعاءات الإرادة مع هذا الداء الخطير والقاتل ؟!
وحبذا لو كانت إنتقادات بناءة ولكنها وللأسف الشديد تنظر إلى الشكل والمظهر دون المحتوى والمضمون .
يقول الغزالي رحمه الله في داء الحسد وأسبابه :
جملتها سبعة أبواب : العداوة والكبر والتعجب والخوف من فوت المقاصد المحبوبة وحب الرئاسة وخبث النفس وبخلها .

ولما رجع شيخنا حفظه الله من مدينة سلا كان والده قد انفصل عن والدته وتزوج في البادية بامرأة أخرى فبقي سيدي عبد الله مع والدته المباركة بطنجة وذلك في عام 1375 هجرية.
فرأى والده سيدي عبد القادر في المنام كأنه ذاهب للزاوية الصديقية فإذا بجماعة من الناس داخلها مجتمعين على رجل فدنا منه فإذا هو رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقسم بين الناس المفاتيح، قال : فرأيت في يده مفتاحا عظيما لم يعط أحدا مثله، قال : فبادرت لأخذه فسبقتني إليه زوجتي، يعني والدة شيخنا، فدفعه إليها صلى الله عليه وآله وسلم، قال: فعلمت أنه ولدي عبد الله الذي هو معها هـ .
ومن ثم كانت كنية شيخنا حفظه الله أبا الفتوح لتعدد أنواع الفتوحات عليه، فمن فتح في السلوك والأخلاق إلى فتح في الحديث النبوي وعلومه، فالفتح الرباني الإلهامي الذي عز وجوده اليوم في المشتغلين بالعلوم الإسلامية كالدكاترة والأساتذة الجامعيين .. وكان العارف بالله سيدي أحمد بن الصديق رحمه الله هو من كناه بهذه الكنية الصادقة ..

قرأ شيخنا في طنجة على الحافظ سيدي أحمد في منزله بسوق البقر الأوائل العجلونية والحديث المسلسل بالعاشور والحديث المسلسل بالعيد وبعض الرسائل الأخرى .
ولقد أكرمني الله بسماع الأوائل العجلونية في مكة المكرمة على شيخنا سيدي عبد الله بقراءة محمد بن عبد الله محيي الدين من طلاب مكة المكرمة رفقة عدد من الطلبة المقيمين في الديار المقدسة وثلاثة من طلبة الشيخ في المغرب الذين رافقوه في سفره لقضاء مناسك العمرة لعام 1421 هجرية .. كما سمعنا جميعا حديث الأولية والمحبة والمشابكة من الشيخ وشابكنا حفظه الله تعالى ورضي عنه .
إلا أنه يلاحظ أن حركة من الشباب المتعلم في المشرق والمغرب يعنى كثيرا بجانب المرويات أكثر من اعتنائه بمسائل التحقيق في قضايا الفرد والأمة .
وهذا الإغراق في الأثبات والفهارس والمسلسلات والمعاجم وإن كنا لا ننكر فضله خاصة في روحانية السامع واتصاله المباشر برجال السند المباركين، فإن ذلك لن يعطي أكله المرجو إن قصر الباحث في ميدان البحث الضروري للأمة واقفا عند كثرة المرويات بافتخار ساقط وإعجاب مبطل للعمل وثمرته .

وبعد يوم الاستقلال العسكري للمغرب بقليل توالت المطاردات البوليسية لمولانا الشيخ سيدي أحمد حتى هم بقتله عدد من السياسيين في حزب الاستقلال .. وكان الشيخ سيدي أحمد قد عايش بسلا جورا من قبل زعماء الحكومة المغربية آنذاك فانتقم الله له من ذلك الطاغية الذي سرعان ما سجن ذليلا صاغرا .
ويحكي شيخنا في حياة الشيخ أنه في تلك المدة زار العارف المجذوب مولاي أحمد الطرداني العلمي فسأله عن شيخه سيدي أحمد فأجاب : إنه بسلا، فقال له المجذوب : إنه الذي سجن فلانا يعني رجلا من رؤساء الدولة لأنه ظلمه وجار عليه، فأرسل شيخنا إلى سيدي أحمد رضي الله عنه يخبره بذلك فكتب إليه قائلا : إنني في هذا اليوم كنت أريد إخباره بذلك ولكنني تأخرت .
كان محور الاتهامات المنسوبة إلى شيخ الطريقة الصديقية الدرقاوية وأتباعه هو خدمة الاستعمار والتعاون معه وتأييده في مواقف متعددة، وخيانة الوطنيين الفدائيين ومحاولة فصل الشمال المغربي عن جنوبه، والانقلاب على الأسرة العلوية المالكة .
ويحكي لنا الشيخ حفظه الله عن أخريات أيام الحافظ الأوحد سيدي أحمد بن الصديق وسبب هجرته إلى مصر فيقول :
كان الشيخ رضي الله عنه منذ خروجه من معتقله وهو محاط بأنواع من البلايا وضروب من الفتن فتارة من رجال الحكومة الفرنسية وأخرى من رجال الشعب المنكوب اللئيم وأخرى من طريق الحزبيين اللادينيين الفجرة المارقين، وهكذا بقي من سجن ظلما وعدوانا إلى نفي عن وطنه إلى وسمه بالخيانة إلى السعي في إذايته إلى أن استقل المغرب العربي ففوجئ رضي الله عنه بذكر اسمه في صف الخونة والحكم عليهم بأخذ أمتعتهم وأموالهم فأخذوا له داره الوحيدة التي كان يسكنها فكان ذلك سبب مغادرته المغرب وهجرانه للديار المصرية هـ .
كان ذلك بعد شهر فقط من بعثه رسالة لرئيس الحكومة آنذاك البكاي يطلب منه الإدلاء بدليل يثبت خيانته مع التعجيل بمحاكمته قال في آخرها :
وها أنا ذا أتحدى كل واحد يتهمني بالمشاركة في المؤامرة من قريب أو بعيد أن يأتي ولو بشبهة بله الحجة تثبت له ذلك وإن فعل، ولن يستطيع أبدا، فأنا أحكم على نفسي سلفا ومن غير احتياج إلى محاكمة بالقتل لا بتثقيف الدار فقط، ولذا أطلب من سعادتكم أن تعجلوا بمحاكمتي وأن تجعلوني في طليعة من تحاكمهم المحكمة والسلام .. حرر بطنجة 12 صفر 1377 – شتنبر 1957 ، الإمضاء أحمد بن الصديق هـ .
وصدق رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حين قال: إنها ستأتي على الناس سنون خداعة يصدق فيها الكاذب ويكذب فيها الصادق ويؤتمن فيها الخائن ويخون فيها الأمين وينطق فيها الرويبضة . قيل : وما الرويبضة ؟ قال :
السفيه يتكلم في أمر العامة .
رواه الإمام أحمد وابن ماجه عن أبي هريرة رضي الله عنه .
وفي 25 شتنبر من سنة 2001 بتاريخ النصارى نشرت جريدة الاتحاد الاشتراكي المغربية مقالا لأحد الصحفيين تعرض فيه لمسألة الخيانة المنسوبة للشيخ سيدي أحمد رحمه الله منقبا في تاريخ رجل مرت عليه ثلاث وأربعون سنة ليجدد هذه التهمة ويؤكد التصاقها بشخص برهن هذا الزمن الممتد استحالتها وتناقضها الصارخ .
ورحم الله السيد عبد الواحد الهيشو الذي كان إلى جانب السيد عبد الله شبابو ممن تصدى وبقوة لهذه التهم الباطلة في جرائد بلدنا إذ قال :
هذه اتهامات خطيرة ما كانت لتقع فيها جريدة الوزير الأول خاصة وأن الوزير الأول نفسه يعرف القيمة العلمية لهذه الأسرة بطنجة . فإذا لم تستح فاكتب ما شئت هـ .

وبعدما هاجر سيدي أحمد من المغرب إلى مصر هم تلميذه سيدي عبد الله للالتحاق به فأرسل إلى شيخه في ذلك ففرح كثيرا، فتهيأ شيخنا للهجرة لكن عدوا من أعدائه حال بينه وبين جواز السفر فأرجئت الرحلة إلى أن توفي الحافظ المتقن والشيخ البارع المتفنن العارف بالله سيدي أحمد بن الصديق رضي الله عنه في القاهرة يوم الأحد فاتح جمادى الثانية سنة ثمانين وثلاثمائة وألف ودفن بها تغمده الله برحمته الواسعة .
يقول أبو الفتوح وارث سره والمحافظ على نسمات جده : وفي مساء اليوم الذي انتقل فيه جاءنا نعيه للمغرب، ومن الغد اجتمع الإخوان بالزاوية الصديقية بطنجة وذهبوا في موكب عظيم بالجلالة على لسان واحد للجامع الأعظم فصلينا عليه صلاة الغائب وكثر البكاء والنحيب وتهاطلت الدموع على الخدود تأثرا بفقد أبيهم الروحي الذي كان لهم أبا رؤوفا رحيما يأوون إليه ويفزعون إلى إرشاداته وتعاليمه هـ .
وقبيل وفاته رضي الله عنه شاهد الرسول صلى الله عليه وآله وسلم يقظة حتى حاول القيام للقائه وهو يقول : أهلا بك يا رسول الله مرارا .. .
والذي شهد ذلك تلميذا سيدي أحمد في مصر الشقيقة العالم العامل سيدي أحمد محمد مرسي رحمه الله والمهندس البار سيدي إسماعيل تمام، وللقارئ نص الشهادة :

وأقيموا الشهادة لله

تنفيذا لهذا الأمر الإلهي أقول : .. كنت أزور السيد الإمام الحافظ أحمد بن الصديق في بيته بالجيزة كل يوم صباحا أو مساءا لأطمئن على صحته حيث كان مريضا بالذبحة الصدرية والقلب، وكان يتعاطى أدوية وصفها له الطبيبان المعالجان له، ومنعاه من القراءة والكتابة والصيام، وهما الدكتور عبد العزيز الشريف والدكتور محمد خطاب .
وفي يوم 20 / 11 / 1960، زرته صباحا لأعوده كعادتي ووجدت عنده المهندس الزراعي إسماعيل تمام، وكان يبدو طيب النفس وفي صحة حسنة، فقعدنا نتحدث معه برهة، ثم أردنا الانصراف فقال لي : اقعد لأحدثك بحديث خاص بك، فجلسنا ثم أردنا الانصراف فقال : اقعد، أيضا مرتين أو ثلاث، وبينما نحن جلوس إذ قام على سريره مادا يديه وهو يقول بصوت مرتفع : يا رسول الله يا رسول الله، كأنه يستقبله ويريد أن يضمه إلى صدره .. فأخذنا بجلال الموقف، وسرت فينا روحانية غريبة، وصرنا نصلي على النبي عليه الصلاة والسلام بالجهر، ثم أخذتنا الشفقة عليه، فأجلسناه على سريره، وصار يقول : الله الله الله ..، حتى فاضت روحه، فسجيناه واتصلنا بالسيد حسن تهامي ليعمل على تجهيزه ودفنه .
وكان قبل وفاته بشهرين أخبر أنه رأى نفسه يدرس التفسير لبعض الطلبة فأتى السيد الإمام والده حتى وقف بعيدا عن الدرس، ورفع له أصبعين من أصابع يده السبابة والوسطى، فلما استيقظ أولها بأنه بقي من أجله شهران، وكانت وفاته يوم أن تم على الرؤيا ستون يوما .
هذه قصة وفاته كما شهدناها أنا وإسماعيل تمام، حتى أن أخاه السيد إبراهيم لم يشهدها لأنه ذهب للأزهر لمتابعة دراسته . وحضر السيد حسن تهامي سريعا فأسرع في تجهيزه وحضرت عربة الموتى فأخذناه فيها إلى السيدة زينب رضي الله عنها، وصلينا عليه هناك، ثم رأى السيد حسن التهامي أن نذهب به إلى مسجد الإمام الحسين عليه السلام فذهبنا وصلينا هناك عليه مرة أخرى . وعرف جمع من أصحابه وعارفي فضله فحملوه إلى مقابر الخفير حيث دفن بحوش آل عواد في مكان منفرد به، وكتب فوق قبره رخامة باسمه وتاريخ وفاته .

من العلماء مهندس زراعي

كما أنه لما توفي دخل عليه بعض الإخوان المصريين فتبسم الشيخ في وجه الزائر وقبض بيده على يده فصار بهذه الكرامة ممن عاش بعد الموت رحمه الله .

-- المذاكرة العلمية بين شيخنا والحافظ سيدي أحمد بن الصديق رحمه الله --

ولقد استمرت مذاكرة شيخنا لسيدي أحمد على مستوى المراسلة بعدما غادر هذا الأخير المغرب إلى مصر فكان سيدي عبد الله يستفسر عن كل ما أشكل فهمه فيجيبه شيخه الجواب الشافي في المئين من المسائل التي جمعها شيخنا في كتاب سماه : در الغمام الرقيق برسائل السيد أحمد بن الصديق رحمه الله .
كما أن رسائل كان يبعثها الشيخ سيدي أحمد إلى تلميذه وهو في سلا من جملة مادة هذا الكتاب النفيس .
كانت موضوعات المراسلة تدور حول عدة محاور كأصول الفقه وعلوم الحديث النبوي والتوحيد وما يتعلق به والفقه الإسلامي ومذاهب الأئمة والرؤيا والتعبير والكتب العلمية وتاريخ الأعلام والجرح والتعديل ومنوعات كثيرة .
ومن الأحاديث التي استدل بها الحافظ سيدي أحمد رحمه الله في رسائله هاته وضعفها شيخنا حفظه الله حديث : كتب علي قيام الليل ولم يكتب عليكم .
قال شيخنا سيدي عبد الله : ولا يصح شيء من ذلك، ومن قال باختصاصه صلى الله عليه وآله وسلم بوجوب قيام الليل استدل بقوله تعالى : ( ومن الليل فتهجد به نافلة لك ) .
وحديث : أمرت بالأضحى ولم تؤمروا بها .
قال شيخنا حفظه الله : في سنده جابر الجعفي وهو ضعيف، وله طرق أخرى .. وكلها ضعيفة .
وحديث : الكذب مجانب للإيمان .
قال شيخنا حفظه الله : سنده ضعيف والصحيح أنه موقوف .
وقول المصلي في الركوع : سبحان ربي العظيم ثلاثا وفي السجود : سبحان ربي الأعلى .
قال شيخنا حفظه الله : سنده ضعيف لانقطاعه مع ثقة رجاله .
وكون الأعمال والصلاة تلف ويضرب بها وجه صاحبها .
قال شيخنا حفظه الله : من حديث أنس .. وفيه عباد ابن كثير وقد أجمعوا على ضعفه، ونحوه عن عبادة بن الصامت .. وسنده ضعيف أيضا .
وحديث : إذا حج من حرام وقال : لبيك قيل له : لا لبيك ولا سعديك، وحجك مردود عليك .
قال شيخنا حفظه الله : فيه سليمان بن داود اليمامي وهو ضعيف .
وحديث : حتى يكون المؤمن أذل من شاته .
قال شيخنا حفظه الله : سنده ضعيف .
وحديث :ثلاث من أصل الإيمان، وفيه : والجهاد ماض منذ بعثني الله إلى أن يقاتل آخر أمتي الدجال .
قال شيخنا حفظه الله : سنده ضعيف . يزيد بن أبي نبشة مجهول .
وحديث : إن لله تعالى ثلاثمائة شريعة .
قال فيه الحافظ سيدي أحمد : غير مضطرب، وقال فيه شيخنا حفظه الله : من حديث أنس .. وابن عباس .. وعثمان .. وكلها ضعيفة .
وحديث : حبك الشيء يعمي ويصم .
قال شيخنا حفظه الله : الصحيح أنه ضعيف .
وورود الإذن من النبي صلى الله عليه وآله وسلم بالاكتحال للصائم .
قال شيخنا حفظه الله : سنده ضعيف .
وورود الإذن من النبي صلى الله عليه وآله وسلم بالادهان للصائم .
قال شيخنا حفظه الله : لا يصح شيء في ادهان الصائم لا بالنفي ولا بالإثبات .
وحديث : إن من ترك الصدقة على الأقارب ودفعها للأباعد لم يقبل الله منه صرفا ولا عدلا .
قال شيخنا حفظه الله : هذا حديث منكر .
وحديث : إذا نشأت بحرية ثم تشاءمت فتلك عين غديقة .
قال شيخنا حفظه الله : الحديث ضعيف بالاتفاق ومعناه مجرب .
وهي أحاديث تدخل بمجموعها في باب الفضائل أو المغيبات يذكرها الحافظ سيدي أحمد رحمه الله استئناسا أو دون نسبتها لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وإن نسبها للرسول صلى الله عليه وآله وسلم فلصحة معناها دون مبناها.
لكن الأمانة العلمية التي يحافظ عليها شيخنا سيدي عبد الله تجبره على التدقيق في كل مسألة مهما صغرت في الأعين ليظل الحق هو الديدن الوحيد للمريد الصادق .
بل إن هذا التحري من جملة ما وصى به الحافظ تلميذه في إحدى رسائله إليه قائلا :
فعليك بالاجتهاد في كل شيء . فإذا قال الحافظ : حديث صحيح . فقوله مقبول إلا إذا دل الدليل على خلافه فيكون واهما، والحق ما دل عليه الدليل ترمذيا كان أو بخاريا أو دارقطنيا أو من كان .
ولهذا نجد شيخنا سيدي عبد الله يعقب على شيخه في بعض المسائل نذكر منها :
قول شيخه رحمه الله : والحافظ العراقي وتلميذه الحافظ ليس عندهما جرأة على التصريح بوضع الحديث إلا في القليل النادر وذلك ضعف في النفس لا يليق بأمثالهما .
قال شيخنا حفظه الله معقبا : بل هو من باب الورع والاحتياط .
وقوله : أن الناس اختلفوا في الجنة التي أهبط منها آدم عليه السلام، وأنها عنده جنة كانت بناحية العراق أو بالهند، وله في ذلك أدلة كثيرة .
قال شيخنا حفظه الله معقبا : ولكنها – أي الأدلة – معارضة بأدلة أقوى منها كتابا وسنة، فالذي نختاره أنها الجنة المعهودة كما هو قول الجمهور .
وقوله : ومسألة الجلوس على القبور يراد بها قضاء الحاجة والتغوط .
قال شيخنا حفظه الله معقبا : هذا وإن كان محتملا فالظاهر هو الجلوس المعهود لأحاديث أخرى .
وقوله : ولم يذكر الله تعالى ولا رسوله صلى الله عليه وآله وسلم حرفا مما عدا هذه الأشياء – يعني في الزكاة – إلا الملح والعسل في أحاديث ضعيفة .
قال شيخنا حفظه الله معقبا : بل وردت في العسل أحاديث بعضها حسنة أو صحيحة .
وقوله : والبنوك الموجودة الآن بالمغرب جلها للكفار الحربيين لكنهم ليسوا في دار حرب .
قال شيخنا حفظه الله معقبا : يرحم الله أستاذنا فقد خالف هنا مواقفه ضد العصريين المفسدين فما قاله غير مسلم فإنه نص العلماء على أن كل قوم لا يحكمون شرع الله كانوا أهل حرب .
وقوله : إلا أن أدلة القول بالفناء إما للنار نفسها كما يقوله ابن القيم أو للألم مع بقاء صورة العذاب كما يقوله الشيخ الأكبر أرجح .
قال شيخنا حفظه الله معقبا : يرحم الله شيخنا الكريم كيف يتبع هؤلاء الأعلام في هذه القضية وليس لهم مستند إلا آثار عن بعض السلف جاءت في مقابلة نصوص القرآن القاطعة والسنة المتواترة ويرجح ذلك مع أنها من الشواذ الغريبة .
وهكذا تكون الخلافة العلمية، وهكذا يكون الأدب بين التلميذ وشيخه، أدب لا يزيغ عن الوسطية ولا يميل عن الحق.
ومن خلال هذه الرسائل ظهرت كرامات منها أن الشيخ سيدي أحمد أمر مرة تلميذه سيدي عبد الله بقراءة الجزء الأول من تفسير ابن كثير وقال له : إذا وقفت على الحديث الفلاني فأخبرني به فإنني أعلم أنه عند ابن كثير وقد قرأته منذ خمس وعشرين سنة، ثم بعد أيام أرسل يقول له : إنني علمت في هذا الصباح من طريق الإلهام أن الحديث في الجزء الأخير، فإذا بشيخنا يجده كذلك .
كما أن في هذه الرسائل توجيهات شخصية تهم حياة شيخنا حفظه الله ..
فجوابا على رسالة من سيدي عبد الله يطلب فيها من شيخه النصيحة أرسل سيدي أحمد إليه قائلا : أما النصيحة التي طلبتها فما نحن أهلا لننصح أحدا بل نحن محتاجون إلى من ينصحنا، وإذا كان ولا بد فنصيحتي التمسك بما أنت عليه من حب الله ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم واعمل بالكتاب والسنة ونبذ التقليد ومحاربة ومعاداة أعداء الله وموالاة أوليائه والابتعاد عن مصايد الدنيا الغرارة الصارفة وجه المقبل على الله إلى الإقبال على ما يبعد من رضاه ويقرب من سخطه .
وشد يدك على القديم وإياك أن يغرك الشيطان فيدلك على خلاف ما أنت عليه هـ .
وأرسل سيدي أحمد رضي الله عنه إلى شيخنا حفظه الله يقول له : والمغرب محتاج إلى من ينشر فيه الدعوة إلى الله وإلى رسوله صلى الله عليه وآله وسلم وإلى سنته، وليس الآن من يقوم بذلك مثلك ومثل سيدي محمد البقالي، وإذا كان محيي السنة في هذا الوقت له أجر مائة شهيد مع إحيائه إياها في نفسه فكيف بمن يسعى في إحيائها بين الجمهور .. هـ .
ونلمس من هذه الكلمات أن سيدي عبد الله التليدي وسيدي محمد البقالي من المحبوبين لدى الحافظ العارف سيدي أحمد الذي لم يكن له هم آخر غير الدعوة إلى الله وإلى سنة حبيبه سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم .
وكتب إليه يوما حول سكنى البادية ومدى أهميتها بالنسبة لشيخنا حفظه الله، فقال :
ومسألة الإقامة بالبادية، كنت أشرت عليك مرارا فإنك إذا وجدت الشرط في قبيلة جمعت بين مصالح متعددة منها : الفرار من الفتن، ومنها : الانقطاع للمطالعة، ومنها : نشر العلم وبث السنة، وفي هذا خير عظيم ريثما يصل الوقت المنتظر ويفتح الله بالفرج هـ .
ولم يكن الحافظ سيدي أحمد بن الصديق لينسى تلامذته الآخرين الذين أصبحوا فيما بعد من أتباع شيخنا سيدي عبد الله فكان يرسل إليهم بين الفينة والأخرى رسائل شخصية تشجعهم على المضي قدما في طريق التربية وملازمة شيخنا سيدي عبد الله كما كان يجيبهم على بعض أسئلتهم الفقهية القائمة وإشكالاتهم العلمية العالقة .
وممن حظي بهذا الشرف العزيز الشيخ سيدي عبد الله الرواس الحبيبي الذي لم يبخل علي برسالة في الموضوع للحافظ سيدي أحمد رحمه الله هذا نصها :
الحمد لله والصلاة والسلام على مولانا رسول الله وآله،
الأخ الأجل الأفضل الحب الأرشد الأصلح الأكمل سيدي عبد الله المفضل الحبيبي،
السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته، أما بعد،
فقد تشرفنا بكتابكم العزيز الذي ذكرتم فيه عظيم اشتياقكم إلينا وتعلقكم بالاجتماع بنا مما يدل على محبتكم لنا في الله تعالى، فهنيئا لكم بذلك ولنا معكم أيضا كأننا أجبناكم في الذي أجبتمونا له، ولا يخفاك ما ورد من الفضل العظيم في التحابب في الله جعلنا الله تعالى من خيرة المتحابين فيها وأدام ذلك علينا إلى يوم لقائه آمين .
ونشكركم بل نسأل الله تعالى أن يتولى مكافأتكم على إكرامكم لنا بتلك السور والصلوات التي تهدون ثوابها لنا فهي والله أعظم هدية وأشرف تحفة وطلبتم الإذن في ذلك فقد آذناكم فيه وفي سائر الأذكار أعانكم الله وقواكم وأدام توفيقكم آمين .
وحديث : كنت أريد أن أنهى عن الغيلة، المراد بها إتيان الرجل زوجته حالة الرضاع باتفاق أهل الحديث واللغة لا المعنى الثاني وهذا لا إشكال فيه كما ذكرتم .
والصارم المسلول كنا شرعنا في نسخه لتقديمه للطبع رغم المرض الذي تجدد فكتبنا منه ست صحائف وإذا بنا في ذلك اليوم يزداد بنا من المرض ما لا يوصف للتعب الذي لحقنا من النسخ، وهذا المرض وهو مرض القلب يتطلب الراحة الكاملة وعدم الكلام والحركة والكتابة فتوقفنا إلى أن نجد راحة إن شاء الله تعالى، فكونوا مطمئنين من طبعه بحول الله وقوته ونحن منذ خمسة أيام ما نمنا من شدة ألم ضيق التنفس مع تناول الأدوية العديدة ولولا ذلك لكنا انتهينا من نسخ الكتاب وقدمناه للطبع، والله المسئول أن يمنع الموانع .
سلم على الإخوان والأحبة واطلب لنا منهم صالح الأدعية .
والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته،
أحمد الصديق هـ .

وكان الشيخ سيدي أحمد بن الصديق يرسل إلى تلميذه كلما طبع كتابا من كتبه القيمة بنسخ له ولبعض الإخوة في مدينة طنجة .
يقول شيخنا حفظه الله :
لما طبع الشيخ كتابه المطابقة أرسل إلي من القاهرة خمس نسخ وعين لي أصحابها فتأخرت عن دفعها بسبب بعض أقارب الشيخ .. فرأيت ليلة سيدنا موسى كليم الله عليه الصلاة والسلام وصورته على صورة الشيخ تماما وبيده عصا وهو جالس أمامي، فسمعت قائلا يقول : وألق ما يمينك تلقف ما صنعوا إنما صنعوا كيد ساحر، الآية . فأرسل عصاه نحوي فانقلبت حية فحصل لي منها نوع خوف فقال لي : لا تخف منها فإنها لا تضرك . فاستيقظت، فأولتها حالا بأن العصا هي كتابه، والشيخ موسى زمانه، وقد قضى بكتابه هذا على سحر الدجاجلة الحزبيين وغيرهم، وكشف عوراتهم وهتك أسرارهم وبين أباطيلهم ومقتهم الناس وفروا منهم لعنهم الله وأخزاهم وقطع دابرهم . ولم يحصل لنا والحمد لله من جهة الكتاب أدنى شيء من الشر على رغم ما كان مشاعا، فكان الشيخ بالنسبة لأبناء هذا الزمان المفسدين الإباحيين كسيدنا موسى عليه السلام لفرعون والسحرة .

كما كان شيخنا سيدي الله أثناء هذه الفترة وقبلها وبعدها يراسل سيدي عبد الله بن الصديق رحمه الله مدة إقامته في مصر إلى أن عاد إلى وطنه في سنة 1390 هجرية، 1970 بتاريخ النصارى فالتقى به سائلا إياه في أول وهلة سماع الحديث المسلسل بالأولية كما أجازه إجازة عامة، وسافر رفقته إلى الحج مرتين .. ودخلا سجن طنجة معا في قصة ستأتي تفاصيلها بعد قليل .
ورغم الاختلاف الذي قد يلاحظ بين اجتهادات كل من شيخنا والشيخ سيدي عبد الله بن الصديق في مسائل فقهية فرعية فإن هذا الأمر لم يثن شيخنا من صحبة من تأكدت صحبته من جهة الشرع، فكانت مدينة طنجة في هذه الفترة تعيش ازدهارا علميا وتربويا منقطع النظير في المغرب كله إذ كانت على الساحة أكثر من أربعة مدارس في الاجتهاد تنتمي إلى أسر واحدة وجامعة موحدة .
فإذا كتب شيخنا عن وجوب التقصير في السفر في كتاب سماه : بزوغ القمر في وجوب قصر الصلاة في السفر، فإن الأصولي سيدي عبد الله بن الصديق رحمه الله سيكتب رسالتين في نفس الموضوع تخالف رأسا رسالة شيخنا عنوان الأولى : الرأي القويم في وجوب إتمام المسافر خلف المقيم، والثانية : الصبح السافر في تحقيق صلاة المسافر .
وإذا كان رأي شيخنا في مسألة صلاة الجمعة لمن فاتته أو صلى وحده لعذر أن يصليها أربعا كما هو مذهب الحافظ سيدي أحمد بن الصديق رحمه الله في كتابه الحسبة المشهور فإن المحدث سيدي عبد العزيز بن الصديق رحمه الله سيؤلف رسالة في الموضوع مفادها أن صلاة ظهر الجمعة ركعتان فقط سواء حضر المصلي الجمعة أو لم يحضرها .
وهكذا كانت التحقيقات في المسائل العلمية حقلا نافعا للعديد من طلبة العلم في هذه الفترة الذين تدربوا على كافة العلوم الإسلامية وخاصة علمي الأصول والحديث .

-- نص الإجازة العلمية من الحافظ سيدي أحمد لشيخنا سيدي عبد الله --

وإلى القارئ نص الإجازة العلمية التي كتبها سيدي ومولاي أحمد بن الصديق إلى شيخنا سيدي عبد الله، مرة بسلا ومرة من القاهرة :
الحمد لله كما ينبغي لجلال وجهه وعظيم سلطانه، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله وأصحابه أما بعد،
فإننا أجزنا الأخ في الله العلامة الصالح، التقي الفالح، السني المحمدي السيد عبد الله التليدي الكرفطي إجازة عامة مطلقة تامة في كل ما أجزنا به أو رويناه وتلقيناه عن أشياخنا من سائر العلوم ولا سيما علم الحديث الشريف ومصنفاته كما ذكرنا نصوص إجازاتهم لنا وأسانيدهم إلى تلك المصنفات في فهارسنا ومعاجمنا المتعددة التي طبع منها أصغرها وهو المعجم الوحيز، كما أذناه في تلقين ورد طريقتنا الشاذلية الدرقاوية الصديقية الأحمدية المبنية على العمل بالكتاب والسنة وتقديمهما على غيرهما من رأي الرجال وفقه المذاهب المخالف لهما مع محبة الله تعالى ورسوله والموالاة لمن يحبهما وينصر دينهما والبغض والمعاداة لمن يعاديهما ولا يعمل بالكتاب والسنة ويقدم غيرهما عليهما . وأمرناه أن ينوب عنا في نشر هذه الدعوة وتلقين هذه الطريقة لمن أرادها كما أذن لنا بذلك وأمرنا به أشياخنا . والله تعالى نسأل أن يوفقه وينفع به من اجتباه من عباده آمين والحمد لله رب العالمين .
قاله بفمه ورقمه بقلمه أفقر الورى أحمد بن الصديق في يوم الأحد ثالث عشر شهر رمضان المعظم من سنة ثمان وسبعين وثلاثمائة وألف هـ .

ويلاحظ أن نص الإجازة يمزج بين الإجازة العلمية وإجازة الطريقة، كما أن إذن شيخ شيخنا لسيدي عبد الله امتد إلى إذن تلقين الطريقة الصديقية ونشرها مما يعني أن أبا الفتوح سيدي عبد الله بن عبد القادر التليدي قد صار شيخا للطريقة الصديقية الدرقاوية بالمفهوم التربوي الصوفي للكلمة بتعيين من شيخه .
كما أن الطريقة الصديقية الدرقاوية الشاذلية قد عرفت تجديدا في عهد سيدي أحمد رحمه الله يتجلى هنا في قوله : .. المبنية على العمل بالكتاب والسنة وتقديمهما على غيرهما من رأي الرجال وفقه المذاهب المخالف لهما مع محبة الله تعالى ورسوله والموالاة لمن يحبهما وينصر دينهما والبغض والمعاداة لمن يعاديهما ولا يعمل بالكتاب والسنة ويقدم غيرهما عليهما .
فلا شك أن سيدي أحمد بن الصديق من مجددي القرن الماضي كما أن شيخنا يعد وبدون مفاخرة من مجددي هذا القرن المبارك في الحديث النبوي وعلومه .

-- شيوخ شيخنا في إجازته العلمية --

وفي الإجازة العامة التي شرفني الله بأخذها من شيخنا سيدي عبد الله مرتين، المرة الأولى بطنجة والثانية بمكة المكرمة، لائحة من المحدثين الكبار الذين أجازوا شيخنا في الحديث النبوي وعلومه وسائر الفنون الإسلامية وهم :
1) سيدنا الحافظ أبو العباس أحمد بن الصديق الغماري رحمه الله .
2) شقيقه العلامة المحدث الأصولي سيدي عبد الله بن الصديق رحمه الله تعالى .
3) شقيقهما العلامة المحدث سيدي عبد العزيز بن الصديق رحمه الله تعالى .
4) العلامة المحدث الإجتماعي سيدي محمد المنتصر الكتاني رحمه الله تعالى .
5) العلامة بركة سلا وصالحها سيدي محمد الباقر الكتاني رحمه الله تعالى .
6) المسند الراوية العلامة المحدث سيدي محمد ياسين الفاداني المكي رحمه الله تعالى.
7) العلامة المحقق المطلع المحدث سيدي عبد الفتاح أبو غدة رحمه الله تعالى .
8) العلامة الداعية شيخ تلمسان سيدي علي البوديلمي رحمه الله تعالى .
9) العلامة المسند المحدث المعمر التونسي سيدي محمد الشاذلي بن محمد الصادق النيفر رحمهما الله تعالى .
10) العلامة المحدث سيدي محمد بن عبد الرشيد النعماني الباكستاني رحمه الله تعالى.
11) العلامة المحدث سيدي محمد عاشق البرني الهندي رحمه الله تعالى .
12) الراوية مسند العصر العلامة صالح أحمد الأركاني المكي رحمه الله تعالى .
13) العلامة شيخ الطريقة الشاذلية بمكة المكرمة الصالح المعمر سيدي محمد بن إبراهيم الفاسي رحمه الله تعالى .
14) العلامة مفتي الشافعية بمكة المكرمة سيدي عبد الله بن سعيد اللحجي الحضرمي.
وممن استجازهم شيخنا أيضا العلامة الكبير والعارف الزاهد سيدي أبو الحسن الندوي رحمه الله .
أما العلامة الداعية شيخ تلمسان سيدي علي البوديلمي فقد اتصل بشيخنا أثناء زيارته للمغرب وطنجة المحروسة فعقد معه صداقة أثمرت زيارات سنوية متوالية للشيخ البوديلمي لمدينة البوغاز كان آخرها زيارته للمغرب بعد رجوع سيدي عبد الله بن الصديق رحمه الله من مصر الشقيقة .. فالتقت الأعلام وتلاحمت الطرق في إخاء ومحبة وسلام .
ولقد زار سيدي عبد الله التليدي صديقه البوديلمي في الجزائر فاغتنمها شيخنا فرصة طيبة لزيارة ضريح القطب الرباني سيدي أبي مدين الغوث رحمه الله بجبل العباد خارج تلمسان .
ومن الشيوخ الذين تدبج معهم شيخنا الشيخ سيدي محمد بن عبد الرشيد النعماني و سيدي محمد الشاذلي بن محمد الصادق النيفر وبقية الصالحين في مكة المكرمة سيدي محمد بن علوي المالكي حفظه الله .
والعلامة التونسي المرموق سيدي محمد الشاذلي بن محمد الصادق النيفر قد استجازه شيخنا بالمراسلة .. أما باقي مجيزي شيخنا فقد التقى بهم في محافل ومناسبات متعددة .
وفي حجة شيخنا الثالثة التقى مع الشيخ سيدي عبد الفتاح أبوغدة في صدفة خير من ألف ميعاد، ذلك أن شيخنا رفقة أتباعه سيصلون في الجامع الذي يخطب فيه الشيخ أبوغدة بحلب وكان يوم جمعة، وبعد الصلاة مباشرة سلم شيخنا مع مريديه على الخطيب الفصيح الذي انتبه للزي المغربي لسيدي عبد الله فلحقه بعد ذلك خاصة عندما علم بمجيئهم من مدينة طنجة وكان قد درس على الشيخ العارف بالله سيدي أحمد بن الصديق وأخيه سيدي عبد الله رحم الله الجميع .
استضاف العالم السوري شيخنا للعشاء في بيته فكان من جملة الإشكالات العلمية التي ناقشها العلمان مسألة في الحديث النبوي تدور حول قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم في سيدنا عيسى عليه الصلاة والسلام : وتجمع له الصلاة، يعني في آخر الزمان .
استشكل أمر هذا الحديث على الشيخ عبد الفتاح كثيرا ليجد جوابه الشافي عند أستاذنا بقوله : معنى ذلك أنه ستبطل كيفية الصلاة لدى جميع الأديان السماوية وستبقى صلاة واحدة هي صلاة المسلمين اليوم التي سطرتها السنة النبوية الصحيحة .
وكان الشيخ عبد الفتاح يومها يحقق كتاب التصريح في نزول المسيح للمحدث الإمام الكشميري رحمه الله .
وإن كان شيخنا يشترك مع المحدث المحقق سيدي عبد الفتاح أبو غدة في العديد من مشايخه فقد أبى سيدي عبد الله التليدي إلا أن يستجيز الشيخ أبا غدة لمكانته العلمية ومنزلته الدعوية فأجازه إجازة عامة رحمه الله تعالى .
ويقول عن هذه الصداقة تلميذ أبي غدة السيد محمد آل رشيد حين ترجم لشيخنا سيدي عبد الله حفظه الله : .. واتصل بشيخنا رحمه الله تعالى وزاره في بلده حلب عام 1384 هجرية وأجازه شيخنا بجميع مروياته .. وهو معجب بكتبه وتحقيقاته .. ولما علم بوفاته رحمه الله خطب خطبة في مسجده عن مآثره وصلى عليه صلاة الغائب كما أخبرني بذلك حفظه الله .

 

 

التوقيع :
http://ar.netlog.com/abdoalbouzaydi/guestbook
هذا الذي تعرف البطحاء وطأته ... و البيت يعرفه و الحل و الحرم

هذا ابن خير عباد الله كلهم....... ... هذا التقى النقي الطاهر العلم
رد مع اقتباس
 

  #6  
قديم 12-12-2012, 05:25 AM
عبد الخالق البوزيدي عبد الخالق البوزيدي غير متواجد حالياً
كاتب نشيط
 




افتراضي رد: أبو الفتوح عبد الله التليدي

المصدر
http://www.oloum-omran.ma/Article.aspx?C=10638

 

 

التوقيع :
http://ar.netlog.com/abdoalbouzaydi/guestbook
هذا الذي تعرف البطحاء وطأته ... و البيت يعرفه و الحل و الحرم

هذا ابن خير عباد الله كلهم....... ... هذا التقى النقي الطاهر العلم
رد مع اقتباس
 
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
الله اكبر الله اكبر الله اكبر تصفح مخطوطات مؤسسة الملك عبد العزيز بالدارالبيضاء الماجري الأرشيفات والمكتبات الإلكترونية 10 28-08-2025 12:58 AM
صورة ضريح الشيخ ولي الله سيدي عبد الله الروسي الحسني قدس الله روحه الشريف القندوسي صور أضرحة أولياء الله من السادة الأشراف الأدارسة. 0 11-08-2012 01:30 AM
قصيدة شاعر رسول الله صلى الله عليه وسلم حسان بن ثابت رضي الله طارق بن محمد بن صالح اليسيني مجلس الشعر والنثر . 8 07-01-2010 04:15 PM
الشيخ المحدث عبد الله التليدي الحسني الإدريسي المغربي ساره صور الأشراف الأدارسة 4 26-12-2009 01:34 AM


الساعة الآن 06:51 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir