عرض مشاركة واحدة

  #3  
قديم 02-10-2008, 08:03 PM
الصورة الرمزية الشريف إيهاب التركي الشاذلي الإدريسي
النقيب العام للسادة الأشراف الأدارسة
 





افتراضي

[align=right]الأعـياد و الأفــراح
بعد إنهاء الأشغال اليومية والواجبات الدينية والمنزلية، كانت الأعياد والحفلات وغيرها من مناسبات الفرح والبهجة تستغل للترفيه عن النفس. وكان لكل من الرجل والمرأة طريقته الخاصة في إظهار فرحه في الوسط العائلي أو خارجه. وكان للرجال حفلاتهم الخاصة بهم، وللنساء حفلاتهن. ومن الحفلات ما هو مختلط بين أفراد العائلة. ومن بين الحفلات النسائية حفلة الحناء التي تنظم مرة أو مرتين في العام: أيام المولد النبوي، أو في شهر شعبان. ولعل لهذه الحناء دورًا نفسانيا لأن النسوة لما يتعبن نفسيًّا فإنهن يشعرن بثقل في أعضائهن، وبقلة النوم وانشغال البال، فيعزين ذلك "للأرياح" أي لتأثير الجن عليهنّ، حسب اعتقادهن آنذاك. لذا كنّ ينظمن حفلة الحناء بقصد الاستشفاء. فيستدعين صديقاتهن لأمسية أو عشاء، يتم أثناءها نقش اليدين والرجلين بالحناء، في جو من البهجة والفرح والغناء، وهن بارزات فوق فراش خاص مرتفع. وتدوم حصة الحناء هذه ساعاتٍ طوالأ. ولحفلة الحناء طقوسها الخاصة حسب المستويات الاجتماعية. فمن النساء من يفضلن إحضار فرقة "اكناوة" لاعتقادهن خطورة الجن الذي يسكنهن، لأن اكناوة لهم من الطبوع المتنوعة ما يرضي أنواعًا من الجن أو يؤثر عليها. وهنا ندخل في ميدان الأمراض النفسية والشعوذة الجهلاء، ونبتعد عن الصواب.
ومما لاحظت أن سر الحناء ربما يكمن في كونها وسيلة لتركيز الذهن، ونسيان ما يشغل بال تلك النساء، وذلك بفضل الجو المتميز الذي يقام فيه الحفل، الشيء الذي تنتج عنه راحة البال المرجوة من هذه العادة. لقد كان معروفا بفاس -ومنذ القدم- ما يسمى "بسيدي فْريج" أو المارستان أي مستشفى الأمراض العقلية، حيث كانت الأجواق الموسيقية تخصص أوقاتا لتطرب المرضى وترفه عنهم. وكثير هم أولائك الذين كانوا يشفون بتلك الطريقة.
وتستعمل الحناء كذلك لصبغ شعر رأس المرأة بعد تليينه "بالغاسول"، ثم غسله على الأقل مرة في الأسبوع في الحمام العمومي الذي تكتريه العائلة ليلا بعد العشاء و للحمام عوائده و طقوسه و مشروباته وأكلاته .
كانت تربية النساء تشمل- منذ صغرهن- تعلُّم القراءة والكتابة وحفظ القرآن الكريم كاملاً أو حفظ جزء منه؛ وأقل ما كان يتعين عليهن استظهاره حزب سبح. كما كن يتعلمن بعض الألعاب خاصة صنع العرائس من قطع الأثواب المستعملة، ثم خياطة لباس هذه العرائس من أثواب جديدة وكل ما تحتاجه البنات لما يكبرن. كما كانت تربية الذوق من أولويات الأمهات. ومن جملة ما كانت تتعلمه البنت الصغيرة، العزف على آلات الطرب الجلدية (كالدّف وما شاكله) التي لم يكن يخلو منها أيّ بيت. كما كانت الفتيات يحفظن الأمداح النبوية، وقصائد الملحون الدينية والتربوية والمديحية. أما في الأعراس والمناسبات الأخرى فكانت بالمدينة أجواق نسوية تنشّط الحفلات المخصصة للنساء.ومن عادات المدينة أن العروسة تزف ليلة (الرواح) إلى بيت زوجها داخل (العمارية) نوع من الهودج العربي في موكب من أفراد العائلتين مصحوبين بأجواق الأهازيج المحلية كالغياطة والطبالة والطوائف الصوفية حسب ميول العائلات.وكانت عادة بعض بيوت الشرفاء الإختصاص في تحضير العمارية وذلك بتزيينها بلباس خاص على هيئة لباس المرأة مستعملين الأثواب من النوع الجيد وحزام خاص كما توضع سبنية في أعلى العمارية الذي يرمز إلى رأس العروسة.
وكانت تلك العائلات تحتفظ بذلك الزي لاستعماله في أعراس أخرى مساهمة منها وبالمجان في أعراس العائلات الغنية منها أو الفقيرة الشيء الذي كان يميز تلك العائلات في أوساط المدينة كما أنها كانت تضع رهن إشارة السكان أواني الطبخ الكبيرة الحجم وصينيات الشاي وما يرافقها عادة لتحضير الشاي وأطباق تقديم الأكل والحلويات وما إلى غير ذلك من زرابي وأفرشة. أما العمارية فكانت محبسة من طرف أحد الشرفاء أو الأغنياء يتم استعمالها في الأعراس وترجع إلى محبسها بعد ذلك.أما في البادية فكانت العمارية تودع مع محمل الأموات في مساجد القرى.وتسمى العمارية بتطوان وطنجة (البوجة).
أما الرجال فكانوا يتذوقون طرب الآلة، وكانوا يتقنون حفظ أشعارها وميـازينها، مثل » رمل الماية« الخاص بالأمداح النبوية. كما كان بالمدينة وبقرى زرهون أجواق الملحون التي اشتهرت حتى خارج المنطقة بجودة عازفيها، وبحفّاظها الممتازين لمختلف القصائد وخاصة القصائد الرائعة لسيدي عبد القادر العلمي.وأخص بالذكر منهم الشيخين الدائعي الصيت مولاي المهدي العلوي والسيد العرفاوي.
ومن المناسبات الدينية التي يُحتفل بها، يوم عاشوراء، وأيام العجوز، [16] والعنصرة. فبالنسبة لعاشوراء، وردت عدة أسباب لهذه التسمية، منها لأنه اليوم العاشر من محرم. وقيل لأن الله تعالى أكرم فيه عشرة من الأنبياء بعشر كرامات. وقيل لأنه عاشر عشر كرامات أكرم الله تعالى بها هذه الأمة [17]. وقد ورد عدد من الأحاديث [18] في هذا اليوم المبارك وصومه، منها أن النبي -صلى الله عليه وسلم- لما قدم المدينة رأى اليهود تصوم يوم عاشوراء، فقال : » ما هذا ؟ « قالوا : » هذا يومُ صالحٍ، يوم نجّى الله فيه بني إسرائيل من عدوهم، فصامه موسى عليه السلام «. فقال النبي صلى الله عليه وسلم : » أنا أحق بموسى منكم« ، فصامه وأمر بصيامه. فلما فرض رمضان، ترك يوم عاشوراء : من شاء صامه، ومن شاء تركه.
ويعتبر يوم عاشوراء والأسبوع الذي يليه مقدسا لدى سكان المدينة عامة، والأسرة الشبيهية بصفة خاصة، حيث إن ربات البيوت كن لا يستعملن أدوات الزينة من كحل وسواك و"عكار" وعطور وما إلى ذلك، حدادا على مقتل سيدنا الحسين -رضي الله عنه- في كربلاء بالعراق. كما أن يوم عاشوراء يعتبر يوم تقرب إلى الله بالصوم وأداء فريضة الزكاة لمن كانت عليه واجبة. كما أنه يعتبر يوما للتوسعة في النفقة. وقد كانت أغلب بيوتات الأسرة الشبيهية تتناول التريد والدجاج. كما كانت الأسرة في ذلك اليوم تلبس الجديد من الثياب التي سبق إعدادها لهذه المناسبة، أو شراء الثياب الجديدة في هذا اليوم نفسه.
أما بالنسبة للذكور فإن الآباء كانوا يتنافسون في شراء اللعب لإدخال السرور والفرح على نفوس أبنائهم، ومن بينها "المهماز" و"الكابوس" (الذي كان يصنع من عود) والمقلاع و"البِناگ" (Billes) و"شرّقْراقْ".
أما بالنسبة للفتيات فتشترى لهنّ أدوات موسيقية بحجم صغير كما سبق ذكره. وقد كانت النساء يتنافسن في اللعب بالأدوات الموسيقية بين الأحياء، خصوصا وأن أحياء المدينة يطل بعضها على البعض، الشيء الذي كان يجعل هذا التنافس ("المقابلة") بينهن ممتعًا.
وأما أيام العجوز (أو الحاكوز) فهي رأس السنة الفلاحية العربية. وبما أن منطقة زرهون لها ارتباط وثيق بالميدان الفلاحي -كما أسلفت القول- فإن السكان كانوا يحتفلون بهذه الأيام التي تميزها غزارة الأمطار والبرد القارس. فقد كانت جل العائلات وعلى مختلف المستويات تستعد لهذه المناسبة، وتهيء لها الأطعمة الخاصة بها كالكسكس بنوعيه، والمحمصة والفطائر بأنواعها كالشّْـفَنْج والبغرير والمطلوع والمخمرات والملوي ودشيشة القمح التي يتمّ تناولها (بالصامت) الرب المهيأ بعصير العنب المغلى إلى أن يتبخر ماؤه، فيصير على شكل عسل. وفي الليلة الحادية والثلاثين من دجنبر الفلاحي، أي ليلة الاحتفال، كانت إحدى الخادمات المسنّات تتنكر في صفة عجوز، وتطلي وجهها بالرماد والحموم، وتلفّ حولها جلود الأضاحي، وتقوم بألعاب ورقصات بهلوانية، وتطلق أصواتا تثير خوف بعض الأطفال وضحك الآخرين، وتعظهم وتنصحهم، وهم يقدمون لها الفواكه الجافة والحلويات. وتطوف هذه الخادمة بين بيوتات العائلة الواحدة، حاملة في يدها مشهابًا مشتعلاً تكون قد أخذته من "كانون" (موقد) الدار. وأفتح هنا قوسًا لأترحم على الأمّ حسناء والأمّ عمرية والأم الدموقية.
كان الكل، في هذه المناسبة، يرجو موسمًا فلاحيّا جيدًا، تعمّ خيراته المدن والقرى. وأتساءل هنا عن العلاقة الممكنة بين هذه الطقوس وما يقام في البلدان المسيحية في أعياد ميلاد المسيح -عليه السلام- فيما يخص تلبية رغبات الأطفال، وتشوقهم طيلة السنة إلى هذه المناسبة. و"للعجوز" دور آخر يتمثل في كونها ذاكرة لأحداث العائلة السارة، والأزليات وحكايات الأطفال والأحاجي. كما أن لباس وتنكّر الخادمات في هذا الشكل يحيلنا على ظاهرة « بلماون» التي كانت منتشرة عند القبائل الأمازيغية.
وأما بالنسبة للعنصرة فإنها بمثابة انطلاق الاحتفال بموسم الحصاد، حيث كان الأطفال يتراشون بالمياه بواسطة «الزرَّاقة» التي كانت تصنع من خشب أو قصب، وهم يتسابقون في الطرقات. وكانت الأمهات يطلبن من الأزواج إحضار "السّمّـوم" [19] من الجنان، فيعصر ويخلط مع الكحل، وتكتحل به أعين الأطفال كي لا تصاب بالرمد.
وبما أننا تكلمنا على الحاكوز والعنصرة، أرى من الواجب أن أذكّر أبنائي بتقويم السنة الفلاحية التي كان يعمل بها أجدادنا رحمهم الله. ولتبيان ذلك، نورد شرحا لقصيدة أبي عبد الله سيدي محمد بن محمد العربي بن زكري، لشارحها أبي عبد الله سيدي محمد بن عبد الرحمان بن عبد القادر الفاسي -رحم الله الجميع [20]. وتبين هده القصيدة الشهور الفلاحية وفصولها، وبروجها ومنازلها.

يتبع . . . .[/align]

[align=center]المصدر:
http://chbihi-idrissi.ifrance.com/quisontchbihi.htm[/align]

 

 

رد مع اقتباس