
20-08-2010, 07:46 AM
|
|
رد: المباديء العشرة لعلم النسب
[frame="3 98"]
3/10 ثمرة علم النسب
لعلم الأنساب فوائد وثمرات كثيرة ، وتختلف هذه الثمرات والغايات مع اختلاف العلم الذي يُقَارِنه ويتأثَّر به من العلوم التي تستفيد من بياناته وتعتمد على نظرياته وفلسفته .
وهو في الغالب يكون مقترناً مع سرد الوقائع التاريخية ، لأنه وإن كان لعلم النسب شُبْهَةُ استقلال ، إلا أن بينه وبين علم التاريخ عمومٌ وخصوصٌ من وجه كغيره من العلوم الإنسانية والاجتماعية التي تأثر في بعضها وتتأثر ببعضها ، ويجب ملاحظة أن كل علم يكون مستقلاً في حد ذاته ، أما بالإضافة إلى العلوم الأخرى فإن بعض العلوم تفقد الاستقلالية وتكون من العلوم الآلية أو المساعدة في تحصيل العلم المطلوب ، كعلم النحو العربي ، هو علم مستقل ، ولكن بإضافته إلى العلوم الشرعية فإنه يعد من العلوم الآلية .
ففائدة علم النسب في مجال علم النسب المحض Genealogy:
أما ثمراته هنا فكثيرة لا سيما متى نظرنا إليه من غير وجهته الآلية ، وقد بيَّن بعضَها كثيرٌ من الباحثين فيه ، المُجَدِّدِيْنَ لِحُلتِه ؛ والتي تنضوي كلها تحت إحساس الإنسان بالحيوية في تفاعله وتعامله مع مجتمعه ، وشعوره بالمسؤولية والجِدِّيَّة في التعايش ، وتُشْبع نفسه بالمحبة للمجتمع والألفة مما ينتج عن ذلك التماسك بين مُكوناتٍ المجتمع ، والتكامل والتكافل بين أفراده ، وتحصل لدى الفرد العصبية الواجبة لأجل النُّعرة والتَّناصر ، فحيث تكون العصبية مرهوبة ومخشيَّة ، والمنبت فيها زكيٌّ محميُّ تكون فائدة النسب أوضح ، وثمرتها أقوى ، فمعرفة النسب وتعدد الآباء وذكر مآثرهم وخلالهم الحميدة وهو الحسب كلاهما عصمة للنفس من ركوب الآثام وتلقُّفها ، لأن لكل إنسان جانبان اثنان ، جانب مادي وهو النَسَبُ وهو سلسلة أسماء آباءه وأمهاته ، وجانب رُوحي وهو الحَسَبُ ، وهو سلسلة مآثر آباءه وأمهاته ، فالحسب يسير مع النسب حذو القُذَّة بالقُذَّة ، هذا يَحدُوُه والآخر يُذْكِيه ، فمعنى كل واحد منهما راجع إلى الآخر ، وليست الحضارات هي التي تَذْهبُ بالحسبِ وتقوِّض أركان النسب كما زعم ابن خلدون ، وإنما الأمر الذي ذكرنا وهو مُعَاقرة الفِعَال الخسيسة ، وإهمال النسب ونسيانه مع ما يحمله في فَقَرَاتِه من خلال حميدة لأمر من الأمور الكثيرة . ومن لم تدون سلسلة نسبه كما هو الغالب في البشرية ، فإن أخلاقه الحميدة وأفعاله الجميلة واستقامته على الدين القويم كل ذلك يشير إلى شرف نسبه وكريم حسبه رغم الجهل بسلسلة الآباء .
أما ثمراته كعلم من العلوم الآلية فهي :
1. صيانةُ الأنساب من الكذب والوضع .
2. حفظُ الأنساب مِن الضياع والاختلاط .
3. والاحترازُ به من الغلط في نَسَبِ شَخصٍ .
4. مُنَازَلَةُ الكذَّابِين والأدعياء والوضَّاعين ، وتفنيد موضوعاتهم ، وهدم مشاريعهم ، ومقارعتهم بالحجج والبراهين والدلائل ، وتبيين حالهم للناس .
5. دَرْءُ غواية الشعراء الذين يطعنون في أنساب الناس.
وفائدة علم النسب في مجال علم التاريخ History:
التاريخُ هو الزمان كما عرفه المؤرخون ، وسلسلة النسب هي تغيير يطرأ على الزمان في عدة أوقات منتظمة ومتتابعة ومنضبطة ، وشأن التاريخ ملاحظة ذلك التغيير الذي يطرأ عليه أثناء مسيرته ويؤثر بالتالي في حياة البشرية ، ويشكل النسبُ عنصراً مهماً في قَصِّ التاريخ ، وتوضيح الوقائع التاريخية ، حيث يمثل النسبُ والزمانُ معاً العمود الفقري لسرد المادة التاريخية ، أو بعبارة المؤرخين : يُشَكِلُ البشرُ والزمانُ نهر التاريخ . وطبقات سلسلة النسب أو أجيالها بمثابة دوحات غنية في مراحل طريق التاريخ وخط سير الزمان ، كتلك التي تستلهم الشاعر وتُهَيِّجُ شاعريته في مراحل حياته وتكوِّن له مادته الفكرية وتصقل قريحته، فمنزلٌ يُطْرِبه ، وآخر يُبَكِّيه ، وثالث يُغضبه .. ، والمؤرخون شبَّهوا التاريخ في سيره الطويل بالنهر ؛ ذلك لأن النهر يَتَّسِعُ مجراه ويضيق ، ويستقيم ويتعرَّج ، ويستوي وينحدر ، ويهدأ ويثور .. وهكذا التاريخ في أحداثه ووقائعه عبر خط سيره يتخذ أنماطاً سيكولوجية شتى ، وكذلك الأجيال التي تشكل سلسلة النسب لكل جيل سيكولوجيته الفردية .
فالنسب يسلسل المادة تسلسلاً زمنياً ، لأن ذات النسب مرتبٌ على تلك الطبقات الزمنية ، ولذا فإن ترتيبه للأحداث يكون بمثابة فلم سنمائي في سيناريو بارع ، هو الغاية في الموناتج والإخراج . إذن فهو يدرأ عن المؤرخ الصعوبة في ترتيب الأحداث التاريخية ؛ وفي الربط بين البيانات التاريخية ، لأن ترتيب هذه وربط تلك لا يحسنه إلا المؤرخ الفنان ؛ صاحب الذَّوق التاريخي ؛ والحِسِّ الأدبي ، والحَدَسِ المُرْهَفِ ، والضمير النَّزِيه ، وهذه الصفات قد لا تتوافر على كل مؤرخ ، فسلسلة النسب هي المادة التي تملأ الزمان بالأحداث والوقائع كما تشغل الصور الفراغ الذي في الفلم الخام.
كما أن التعريف بصاحب النسب ثمرة من ثمراته التاريخية ؛ فحينَ يُنسبُ شخصٌ إلى جَدِّهِ الأشهر منه فإنه يكون والحال هذه معرفةً بعد أن كان نكرةً لا يُعرف ، كما أنه حين ينسب إلى بلدةٍ يحصل له بهذه النسبة التعريف ، فلو قال لك شخصٌ : أنا زيد. فإنه لم يزدك معرفة بنفسه إلا معرفة نسبية ، بخلاف ما لو قال لك : أنا زيدٌ القرشيّ . أو قال لك : أنا زيد المكيّ . أو قال لك : أنا زيد التاجر .
وعلم النسب يقدم للمؤرخ البيانات الصحيحة المعتمدة التي يمكنها من أن تغير في مفهوم المعلومة التاريخية عند المؤرخ وتساعد في تفسير الحادثة تفسيراً واقعياً كما هو ، فالنتيجة النسبية أو الحكم النسبي التي تقول للمؤرخ : إن زياد بن أبيه لا يَمُتُّ بصلة نسب إلى قريش قط البتة قطعاً . تسوق المؤرخ إلى المهيعة الصحيحة والطريق الواضحة في تفسير الوقائع التاريخية التي أثَّر زياد بن سمية فيها . وكذا الحال في النتيجة النَّسَبِيَّة التي تقول له : إن صاحب الزنج إنما ينتسب إلى عبد القيس لا إلى العلويين . وهكذا دواليك .
وفائدته في الدراسات الأنثوبلوجيةAnthropology :
متى اتخذه الأنثوبلوجيون كقاعة للدراسة فإنه سيعطي استقراءً كاملاً عن فلسفة الإنسانية ، وتصوراً واضحاً عن أصل الإنسان وأدوار وجوده ، وتوقعات نهايته ؛ بايولوجياً وسلوكياً ، وبالتالي تكون الاستنتاجات صحيحة ومتكاملة وواضحة بل ومفيدة لدى المثقف المستفيد ، لأننا لا نستطيع أن نعطي حكماً علي شيء قبل أن نحيط به علماً من جميع النواحي ، إذ أنَّ الحُكْمُ على الشيء فَرَعٌ عن تَصَوُّرِهِ .
وفائدته في الدراسات الاجتماعية السوسيولوجية Sociology :
يساعد الباحث الاجتماعي على تحديد الخصائص الاجتماعية التي تميز عَيِّنَة الدراسة في جميع النواحي العلمية والنفسية السيكولوجية Psychological والمهنية والخَلقية ، ويساعد للباحث الاجتماعي في حصر الجماعة التي اتخذها كَعَيِّنَة في إجراءاته البحثية فتصدق توقعاته في النتيجة وتكون أكثر قبولاً لدى المستفيدين منها ، بل وأنجع في تقويم المجتمع وإصلاحه .
ذلك بأن الاجتماعيين لا يدرسون الإنسان منعزلاً عن مجتمعه أو مجتثاً من أصله ، إذ إن كل من الفرد والمجتمع يدل على الآخر ويشير إليه ، ففهم العلاقات الاجتماعية لا تحصل بدراسة الأفراد في حال انعزال ، وإنما في حال تفاعله مع مجتمعه ، وسلسلة النسب مثلاً تشكل مع ثمرتها التي هو الفرد تفاعلاً اجتماعياً ومجتمعاً آخر يوجِّه سلوك الفرد الذي يتفاعل معه ويؤثر عليه تأثيراً بيِّناً ؛ لأنه جزء من نظامه ، والباحث الاجتماعي تهمه كل البيانات الإيجابية والسلبية التي يقدمها علم النسب عن سلالة معينة أو مجتمع معين على حدٍّ سواء ؛ لأنه يسعى للتنظير الاجتماعي في جميع مجالات علوم الاجتماع المختلفة .
وفائدته في الجغرافية Geography :
علم الأنساب يعرِّفُ الباحثَ في الجغرافية البَشَرِيَّة على كيفية تعامل البشر مع الطبيعة ، وعلى توزُّعِ الأجناس البشرية في الأقاليم والأماكن وأسبابه ونتائجه .
هو أحد العلوم الإنسانية والاجتماعية التي تتناول الإنسان بالدراسة المنهجية داخل مجتمعه ، وهو أحد العلوم التاريخية على وجه الخصوص ، فبينه وبين هذه العلوم نسبة العموم والخصوص ، ولذا فإن النسابة بينه وبين المؤرخ مثلاً نسبة عموم وخصوص.
|