بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين وافضل الصلاة واتم التسليم على سيدنا محمد وآله وعترته الطيبين الطاهرين واصحابه الميامين
عرفت الطريقة السعدية في بلاد الشام منذ مطلع القرن السادس الهجري وهي تنسب للقطب العارف بالله الشيخ سعد الدين الجباوي الشيباني الحسني رضي الله عنه ( مولده 460 هجرية وفاته 575 هجرية ) دفين قرية جبا التابعة لمحافظة القنيطرة في سوريا
والطريقة السعدية من الطرق الصوفية المهمة و المعدودة في بلاد الشام بشكل خاص وفي بلاد الحجاز ومصر وتركيا ويوغسلافيا وألبانيا وغيرها من بلاد إسلامية بشكل عام وهي طريقة العلماء والفقهاء والسادة الأشراف والأعلام وكبار رجال الدولة في دمشق والباب العالي وشتى البلاد وقد أسهم رجال هذه الطريقة في مجالات علمية وإنسانية واجتماعية وكان لهم دورا بارزا في مجتمع مدينة دمشق على وجه الخصوص ولدى رجال الدولة والحكام حتى في دار الخلافة باستنبول
الطريقة العلية السعدية :
طريق إلى الله تعالى وهي سير وسلوك إلى الله بمنهاج وشرعية بدايتها الدخول والتحقق بالمقامات والأحوال والآداب والأخلاق ونهايتها المعرفة بالله ومن صحت بدايته صحت نهايته والنهايات ترجع إلى البدايات .
فالطريقة سير وسلوك ومتابعة لكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وآله وسلم على يد شيخ مرشد علم عارف من مشايخ الطريق على أساس من الصحبة ومتابعة آدابه وأحكامه وتقاليده التي هي من خصوصيات الطريقة
مقامات السلوك في الطريقة :
1- مقام التوبة :
قال تعالى ( يا أيها الذين آمنوا توبوا إلى الله توبة نصوحا ) ( التحريم 8 )
التوبة مقام من مقامات المؤمنين
2- مقام الورع :
حقيقة التوبة تستدعي الورع ولا يصح ان يدخل في مقام الورع دون التوبة أو مقام التوكل دون الزهد
3- مقام الزهد :
مقام شريف وقف عند حدوده كثير من السالكين في طريقهم وخيار الصالحين الذين وجدوا راحتهم فيه والسكينة لقلوبهم التي خلت من حب الدنيا فجاهدوا انفسهم في هذا المقام ابتغاء مرضاة الله
4- مقام الفقر :
هو من المقامات العالية في السلوك والترقي يقتضي مقام الفقر الصبر عليه حتى تحصل له ثمرة هذا المقام
5- مقام الصبر :
مدح الله الصابرين بقوله تعلى ( إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب ) ( الزمر 10 )
فغاية الصبر التوكل كما قال الجنيد رحمه الله
6- مقام التوكل :
وهو مقام من مقامات المقربين وقد امر الله بالتوكل وجعله مقرونا بالايمان قال تعالى ( وعلى الله فليتوكل المتوكلون ) ( ابراهيم 12 )
7- مقام الرضا :
وهذا آخر مقامات السلوك وهو مقام سام فالصوفي متوكل وراض قال تعالى
( رضي الله عنهم ورضوا عنه ) ( المائدة 119 )
وبعد فطع هذه المقامات يتعرض المريد السالك إلى جملة أحوال ومواهب شريفة كما قال صاحب التعرف لمذهب أهل التصوف ( إن علوم الصوفية علوم الأحوال والأحوال مواريث الأعمال : ولا يرث الأحوال إلا من صحح الأعمال وأول تصحيح الأعمال : معرفة علومها وهي علوم الأحكام الشرعية في أصول الفقه وفروعه من الصلاة والصوم وسائر الفرائض الى علم المعاملات من النكاح والطلاق والمبايعات وسائر ما اوجب الله تعلى وندب اليه ومالا غنى به عنه من امور المعاش )
والمحبة حال عند السادة الصوفية وعند كافة أهل الطريق والمحبة حال في طريق السادة السعدية قياسا على باقي الطرق إلا أن السادة السعدية يرون أن حال المحبة والشوق لا ينقطع أثره في القلب أبدا بل يرون أن حال المحبة والشوق يتقدم كل مقام ولولا المحبة والشوق لما تحقق المريد السالك من مقامه الذي فيه وما ترقى إلى مقام آخر فالمحبة أساس لكل حقيقة عند السادة السعدية بل وكمال لكل مقام يطلبونه ولا يطلب مقام التوكل إلا بالتوكل ولا مقام الرضا الا بالرضا وانما بحبهم لهذا المقام ولمن يعرفهم به حتى يحصل عندهم تمام هذا المقام الذي فيه كمال مطلوبهم وهذا على سبيل المثال وهذا شانهم في كل مقام حتى تلوح للسالك انوار المحبة في كل مقام .
وأول حال من احوال أرباب القلوب حال المراقبة :
1- حال المراقبة :
قال تعالى ( وكان الله على كل شيء رقيبا ) ( الاحزاب 52 )
قال صلى الله عليه وسلم ( الاحسان أن تعبد الله كأنك تراه فان لم تكن تراه فإنه يراك ) ( مسلم )
وعندما يستغرق المريد السالك في هذا الحال ويتمكن فيه وينسى نفسه ينتقل إلى حال آخر الا وهو حال القرب .
2- حال القرب :
قال تعالى ( واذا سألك عبادي عني فإني قريب ) ( البقرة 186 )
وحال القرب يقتضي حال المحبة والخوف .
3- حال المحبة :
قال تعالى ( فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه ) ( المائدة 54 )
4- حال الخوف :
ومما تقدم فان حال القرب يقتضي حال المحبة والخوف والخوف مقرون بالايمان قال تعالى ( انما يخشى الله من عباده العلماء ) ( فاطر 5 )
قال صلى الله عليه وسلم ( رأس الحكمة مخافة الله ) ( البيهقي في الدلائل وابن عساكر وابن ابي شيبة وهو حديث حسن )
ويرى السادة السعدية ان حال الخوف يسبق مقام الوبة ويقولون اذا لم يثبت خوف الله تعلى في قلب المريد السالك لم تصح توبته وكلما ازداد معرفة بالله ازداد خوفه من الله تعلى .
5- حال الرجاء :
قال تعالى ( لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرا ) الأحزاب 21
قال بعضهم : الخوف والرجاء جناحا العمل لا يطير الا بهما
والمحبة والرجاء مقرون بعضهما ببعض والرجاء والمحبو يقتضيان الشوق .
6- حال الشوق :
ومما روي عنه صلى الله عليه وسلم في دعائه : ( --- وأسألك لذة النظر الى وجهك والشوق الى لقائك في غير ضراء مضرة ) ( رواه النسائي والامام احمد )
وكما تقدم قان السادة السعدية يرون ان المحبة والشوق حالان لاينقطعان عند السلوك ومن هذا حاله فلا بد له من ان يجد ما يانس به انس المريد السالك بالله تعالى .
7- حال الأنس :
ومعنى الانس بالله تعالى : الاعتماد عليه والسكون اليه والاستعانه به
8- حال الطمأنينة :
قال تعالى ( الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله ألا بذكر الله تطمئن القلوب ) ( الرعد 28 )
9- حال المشاهدة :
قال تعالى إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد ) ( سورة ق 37 )
قال صلى الله عليه وسلم لعبد الله بن عمر ( اعبد الله كأنك تراه )
وكذلك في طريق السادة السعدية فان حقيقة المشاهدة تأتي من غلبة المشاهدة حيث يرون ان صاحب هذا الحال تسلبه المحبة من كل شيء يقولون ( إن في الطريقة السعدية جذبة من جذبات الحق تعالى فرط حبهم وشدة شوقهم الى تجليات الحق تعالى )
10- حال اليقين :
قال تعالى ( وفي الارض ايات للموقنين ) ( الذاريات 20 )
وقا ل صلى الله عليه وسلم
( سلوا الله تعالى العفو والعافية واليقين في الاخرة والاولى ) ( رواه الامام احمد عن ابي بكر الصديق وهو حديث صحيح )
وقد ذكر الله تعالى اليقين في مواضع من كتابه الكريم على ثلاثة أوجه : علم اليقين وعين اليقين وحق اليقين
فاليقين : تمكين السالك من حال المشاهدة وتحققه من الفناء بالله والبقاء بالله لذلك فان السادة الصوفية اعتبروه أصل جميع الأحوال ونهايتها .